قراءة في اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان وأبعادها المختلفة في ظل تزايد التهديد الإسرائيلي للأمن الإقليمي

إقليمية
قراءة في اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان وأبعادها المختلفة في ظل تزايد التهديد الإسرائيلي للأمن الإقليمي
١٣ دقيقةللقراءة
تاريخ النشر: ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٥

في خِضَمِّ التحولات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، تبرز الاتفاقيات الأمنية كأدوات إستراتيجية لإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية. ومن بين هذه التحركات، تكتسب الشراكات الدفاعية بين الدول الإسلامية أهمية متزايدة، خصوصًا حين تتقاطع المصالح الأمنية مع التحديات المشتركة. حيث إنَّ التعاون العسكري بين الرياض وإسلام آباد لا يُقرأ فقط في سياق العلاقات الثنائية، بل يتداخل مع شبكة أوسع من التفاعلات الإقليمية والدولية. فالتقارب الدفاعي بين القوتين يعكس رغبةً في بناء مظلة ردع متعددة الأبعاد، تتجاوز الحسابات التقليدية للتحالفات. كما وأنَّ هذا التنسيق يفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة التهديدات المستجدة، وأدوات مواجهتها في ظل تصاعد التوترات. ومن هنا، يصبح من الضروري تفكيك أبعاد هذا التعاون وتحليل دلالاته الإستراتيجية ضمن المشهد الأمني المتشابك.

فكيف يُمكن قراءة مشهد العلاقات السعودية الباكستانية خلال العقود الماضية؟ وما تفاصيل اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان؟ وما أبعاد ودوافع تلك الشراكة الدفاعية في ظل التهديدات الإسرائيلية المتزايدة للعالم العربي والإسلامي؟ وما أثر تلك الشراكة الدفاعية على معادلات القوى الإقليمية والعالمية؟ وهل نشهد بروز حلف عسكري إسلاميٍّ في ظل تطلعات دول إسلامية أخرى لشراكات دفاعية مماثلة؟ وفي ظل سياسة الأحلاف والأحلاف المضادة، كيف يُمكن قراءة مستقبل القوى العربية والإسلامية خلال السنوات القادمة؟

يسلِّط مركز "رواق" للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوءَ على: اتفاقية الشراكة الدفاعية العسكرية بين السعودية وباكستان وتأثيرها في معادلات القوى والنفوذ إقليميًّا ودوليًّا، ومشهد التحالفات العربية والإسلامية خلال السنوات القادمة، في هذه السطور الآتية.

مشهد العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين السعودية وباكستان خلال العقود الماضية:

شهدت العلاقات بين السعودية وباكستان تطورًا متسارعًا منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأت بتعاون اقتصاديٍّ قائم على الدعم المالي والاستثمارات في البنية التحتية، كما لعبت المملكة دورًا محوريًّا في دعم الاقتصاد الباكستاني خلال فترات الأزمات، عبر مِنَحٍ وقروضٍ مُيَسَّرَةٍ، وساهمت الرياض في تمويل مشاريع تنموية في مجالات الطاقة والنقل والتعليم. وهذا الدعم عزَّز من مكانة السعودية كشريك إستراتيجيٍّ لباكستان في محيطها الإقليمي، وقد انعكس ذلك في تنامي الثقة المتبادلة بين البلدين على مختلف الأصعدة (المركز العربي الديموقراطي).

وفي المجال العسكري، بدأت العلاقات بتبادل الخبرات والتدريبات المشتركة بين القوات المسلحة في البلدين؛ حيث شاركت باكستان في تأهيل كوادر عسكرية سعودية، فيما استفادت من الدعم اللوجستي والتقني السعودي، وتطورت هذه العلاقة لتشمل مناورات مشتركة وتنسيقًا أمنيًّا في مكافحة الإرهاب، كما لعبت الرياض دورًا في تعزيز القدرات الدفاعية الباكستانية عبر صفقات تسليح وتعاون استخباراتي، وهذا التداخل الأمني ساهم في بناء منظومة دفاعية إقليمية أكثر تماسكًا.

واقتصاديًّا شهدت العقود الأخيرة توسعًا في الاستثمارات السعودية داخل باكستان، خاصةً في قطاعات الطاقة والتعدين والزراعة، وأنشأت شركات سعودية مشاريع إستراتيجية في إقليم بلوشستان ومناطق أخرى ذات أهمية جيوسياسية. كما تم توقيع اتفاقيات لتطوير مصافي النفط ومراكز تخزين الطاقة، وهذا التوسع عزَّز من فرص العمل والتنمية المحلية في باكستان، وفتح الباب أمام شراكات طويلة الأمد بين القطاعين الخاصَّين في البلدين.

وعلى الصعيد المالي، لعبت السعودية دورًا مهمًّا في دعم احتياطي النقد الأجنبي الباكستاني، خاصةً خلال فترات التراجع الاقتصادي، وتم ذلك عبر ودائع مالية ضخمة في البنك المركزي الباكستاني، مما ساهَم في استقرار العملة المحلية. كما ودعمت المملكة برامج الإصلاح الاقتصادي التي أطلقتها إسلام آباد، وهذا الدعم المالي لم يكن مشروطًا سياسيًّا، بل جاء في إطار العلاقات الأخوية والتاريخية، وقد ساعد في تعزيز الثقة الدولية في الاقتصاد الباكستاني (مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية).

وفي الجانب الدفاعي، شهدت العلاقات تطورًا نوعيًّا مع توقيع اتفاقيات إستراتيجية شاملة تشمل التنسيق في مواجهة التهديدات الإقليمية. تضمَّنت هذه الاتفاقيات بنودًا تتعلق بالردع المشترك والتعاون في الصناعات العسكرية. كما تم إنشاء لجان تنسيق دائمة لمتابعة تنفيذ البنود الأمنية. هذا التحول يعكس إدراك البلدين لأهمية التكامل الدفاعي في ظل التحديات المتزايدة، ويؤسِّس لمرحلة جديدة من التحالفات الإقليمية متعددة الأبعاد.

تفاصيل اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان:

وفي ظل ذلك التطور المتسارع في العلاقات بين الجانبين، ارتقت العلاقات إلى مستوى الشراكة الدفاعية. حيث وَقَّعَت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية اتفاقية دفاعية تُعدُّ الأولى من نوعها بين البلدين، وذلك في قصر اليمامة بالرياض بتاريخ 17 سبتمبر 2025م. فالاتفاقية جاءت في سياق تصاعد التحديات الأمنية الإقليمية، وتهدف إلى تعزيز التنسيق العسكري والتكامل الدفاعي. كما وحضر مراسم التوقيع ولي العهد السعودي "الأمير محمد بن سلمان" ورئيس الوزراء الباكستاني "شهباز شريف". فالاتفاقية تنص على أنَّ أيَّ اعتداء خارجيٍّ على أحد الطرفين يُعتَبَر اعتداءً على الطرف الآخر، وهذا البند يُرَسِّخ مبدأ الالتزام المتبادل في مواجهة الأخطار. (مركز رع للدراسات الإستراتيجية).

كما تشمل الاتفاقية بنودًا تتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في الصناعات العسكرية والتدريب المشترك. هذا وتنص على إنشاء لجان تنسيق دائمة لمتابعة تنفيذ البنود الدفاعية وتحديثها وفق المستجدات. فالاتفاق يفتح المجال أمام تطوير منظومات ردع مشتركة تشمل تقنيات متقدمة ومراكز قيادة موحدة، ويُتوقَّع أن يشمل التعاون مجالات الأمن السيبراني وحماية المنشآت الحيوية. وهذه الخطوات تعكس رغبة البلدين في بناء بنية أمنية متماسكة تتجاوز التحالفات التقليدية.

ومن أبرز ما يُميز الاتفاقية: أنَّها تُتيح للسعودية الاستفادة من القدرات النووية الباكستانية ضمن مظلة ردعية غير مُعلَنة، وهذا البُعد الإستراتيجي يُعدُّ تحولًا في سياسة المملكة الدفاعية، ويمنحها خيارات متعددة في مواجهة التهديدات. كما ويعكس ثقة باكستان في الشراكة مع الرياض كحليف موثوق في بيئة إقليمية مضطربة. فالاتفاقية لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تحمل دلالات سياسية تُعزز من مكانة البلدين في التوازنات الدولية، ويُنظَر إليها كخطوة استباقية في مواجهة التحديات غير التقليدية.

وتأتي هذه الاتفاقية في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، خاصةً مع تزايد المخاوف من توسع النفوذ الإسرائيلي في محيط الخليج وجنوب آسيا، وقد قرأ مراقبون هذه الخطوة كرسالة مزدوجة للفاعلين الإقليميين والدوليين، مفادها أنَّ الرياض وإسلام آباد بصدد إعادة تعريف معادلات الأمن. كما أنَّ الاتفاق يُعزز من قدرة البلدين على التحرك المشترك في الأزمات الطارئة، ويُتوقَّع أن تؤثِّر هذه الشراكة في طبيعة التحالفات القائمة في المنطقة. وهذا التحول يضع البلدين في موقع أكثر فاعلية ضمن المشهد الأمني العالمي.

فالاتفاقية تُعدُّ امتدادًا لعقود من التعاون العسكري بين البلدين، لكنها تتجاوز الأُطُر السابقة نحو صيغة دفاعية شاملة. وقد تم تضمين آليات لتقييم التهديدات وتحديد أولويات الردع والتدخل المشترك، كما وتنص على تطوير برامج تدريبية موحدة للقوات المسلحة وتبادل الخبرات في إدارة الأزمات. وهذا التوسع في التعاون يعكس نضج العلاقة بين الرياض وإسلام آباد، ويؤسِّس لمرحلة جديدة من التكامل الإستراتيجي. ومن المتوقع أن تُحدِث الاتفاقية تأثيرًا ملموسًا في بنية الأمن الإقليمي خلال السنوات القادمة.

أبعاد ودوافع تلك الشراكة الدفاعية في ظل التهديدات الإسرائيلية المتزايدة للعالم العربي والإسلامي:

كما تأتي الشراكة الدفاعية بين السعودية وباكستان في إطار إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية لمواجهة التحديات الأمنية المتنامية، فالهجمات الإسرائيلية الأخيرة -ومنها استهداف الدوحة- كشفت عن نمط جديد من التصعيد يتجاوز حدود الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذا التصعيد دفع الدول الإسلامية إلى مراجعة إستراتيجياتها الدفاعية وتوسيع نطاق التنسيق العسكري. ويُنظَر إلى الاتفاق السعودي الباكستاني كخطوة استباقية لاحتواء أي تمدُّد غير محسوب في المنطقة، كما وأنَّه يعكس إدراكًا مشتركًا لأهمية بناء جبهة موحدة في ظل غياب مظلة أمنية جماعية فعالة.

ومن الدوافع الأساسية لهذه الشراكة رغبة الطرفين في تعزيز الردع الإقليمي عبر توظيف القدرات العسكرية المتكاملة؛ إذ تمتلك باكستان خبرات نووية وتقنية متقدمة، بينما تتمتع السعودية بنفوذ سياسيٍّ واقتصاديٍّ واسع. وهذا التوازن يُتيح لهما صياغة منظومة دفاعية قادرة على التعامل مع التهديدات غير التقليدية، كما أنَّ الاتفاق يُوفِّر إطارًا لتبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق المواقف في المحافل الدولية، ويُتوقَّع أن يُسهِم في تقليص الفجوات الأمنية التي تستغلها القوى المعادية.

وعلى صعيد البُعد الجيوسياسي للاتفاقية، فإنَّه يتمثل في توجيه رسالة واضحة بأنَّ الدول الإسلامية قادرة على بناء تحالفات مستقلة عن القوى الكبرى. فالتقارب السعودي الباكستاني يُعيد رسم خطوط النفوذ في جنوب آسيا والشرق الأوسط، ويُعدُّ ردًّا عمليًّا على محاولات فرض واقع أمني جديد عبر التدخلات الإسرائيلية المتكررة. كما وأنَّه يفتح المجال أمام انضمام دول أخرى إلى هذا المسار الدفاعي المشترك، وهذا التحول قد يُفضي إلى نشوء محور إسلاميٍّ أكثر فاعلية في إدارة الأزمات الإقليمية.

ومن زاوية إستراتيجية، يُمكن اعتبار الاتفاقية أداةً لإعادة التوازن في ظل اختلالات واضحة في موازين القوى. فالكيان الإسرائيلي -وبدعم غربيٍّ- يواصل توسيع نطاق عملياته العسكرية دون رادع فعلي، وهذا الواقع يُحَتِّم على الدول المستهدفة بناء تحالفات قادرة على الردع والتصدي. ويُعزِّز الاتفاق من قدرة الرياض وإسلام آباد على التحرك المشترك في حال وقوع أي اعتداء، كما وأنَّه يُعيد الاعتبار لفكرة الأمن الجماعي الإسلاميّ في مواجهة التهديدات العابرة للحدود.

وفيما يتعلق بالدوافع السياسية، فإنَّها لا تَقِلُّ أهميةً عن العسكرية، إذ تسعى السعودية وباكستان إلى تثبيت موقعهما كقوتين محوريتين في العالم الإسلاميّ، وهذا التقارب يُعزِّز من حضورهما في الملفات الإقليمية الحساسة، ويمنحهما هامشًا أكبر في التفاوض الدولي. كما أنَّه يُسهِم في تقليص الاعتماد على التحالفات الغربية التي أثبتت محدوديتها في حماية المصالح الإسلامية، ويُعدُّ الاتفاق خطوة نحو بناء استقلالية إستراتيجية في اتخاذ القرار الأمني، وهذا المسار يُعيد تعريف مفهوم السيادة في ظل التحديات المتشابكة.

أثر تلك الشراكة الدفاعية على معادلات القوى الإقليمية والعالمية:

كما ويُمكن القول: إنَّ الاتفاقية الدفاعية بين السعودية وباكستان أحدثت تحولًا في موازين القوى الإقليمية، إذ أعادت ترتيب التحالفات التقليدية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وهذا التحالف الثنائي عزَّز من قدرة الطرفين على فرض معادلات جديدة في مواجهة التهديدات المتعددة، كما وأنَّه أربك حسابات بعض القوى الإقليمية التي كانت تعتمد على تفكُّك الجبهة الإسلامية. ويُنظَر إلى هذا التقارب كخطوة نحو بناء محور أمني مستقل عن الهيمنة الغربية، مما يفتح المجال أمام تحالفات موازية تتجاوز الاصطفافات القديمة (مركز الدراسات العربية الأوراسية).

وعلى المستوى العالمي: أثارت الاتفاقية اهتمام القوى الكبرى التي تُتابِع عن كثب إعادة تشكيل التوازنات في المنطقة، فالتقارب بين الرياض وإسلام آباد يُعدُّ مؤشرًا على رغبة الدول الصاعدة في تقليص الاعتماد على الحماية الغربية. وهذا التوجه يُهدِّد النفوذ التقليدي لبعض القوى الدولية في ملفات الأمن والطاقة، كما وأنَّه يُعزِّز من فرص ظهور تكتلات جديدة تتبنى سياسات أكثر استقلالية، ويُتوقَّع أن يُعيد هذا التحالف رسم خطوط التفاعل في المؤسسات الدولية.

كما أنَّ انعكاسات الاتفاقية لم تقتصر على الجانب العسكري، بل امتدت إلى التأثير في السياسات الاقتصادية والتحالفات التجارية. فالتنسيق الدفاعي يُمهِّد لتكامل في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، وهذا التكامل يُعزِّز من قدرة البلدين على مواجهة الضغوط الاقتصادية الناتجة عن التوترات الجيوسياسية. كما وأنَّه يُسهِم في بناء منظومة اقتصادية إسلامية أكثر تماسكًا، ويُعيد الاعتبار لمفهوم الشراكة الشاملة بين الدول ذات المصالح المشتركة.

ومن زاوية أمنية: يُمكن اعتبار الاتفاقية بمثابة مظلة ردع إقليمية تُقلِّل من فرص التصعيد غير المحسوب، فوجود آلية دفاع مشترك يُعزِّز من قدرة الطرفين على التحرك السريع في حال وقوع تهديدات مباشرة. وهذا التنسيق يُربك خُطَطَ القوى المعادية التي تعتمد على تفكيك الجبهات الدفاعية، كما وأنَّه يُسهِم في رفع مستوى الجاهزية العسكرية عبر تبادل الخبرات والتقنيات، ويُعيد تعريف مفهوم الأمن الجماعي في السياق الإسلاميّ.

وفيما يتعلق بردود الفعل الدولية على الاتفاقية، فإنَّها كشفت عن قلق متزايد من توسع التحالفات خارج الإطار الغربي التقليدي، فبعض القوى الكبرى بدأت بإعادة تقييم إستراتيجياتها في المنطقة، خشية فقدان النفوذ. وهذا التحول يُحفِّز على مراجعة السياسات الأمنية والاقتصادية تجاه العالم الإسلاميّ، كما وأنَّه يُعزِّز من فرص الحوار متعدد الأطراف بعيدًا عن الهيمنة الأحادية، ويُمهِّد الطريق أمام نظام دولي أكثر تنوعًا في مراكز القوة والتأثير.

وهل نشهد بروز حلف عسكري إسلاميٍّ في ظل تطلعات دول إسلامية أخرى لشراكات دفاعية مماثلة؟

وتُشير التحركات الأخيرة في العالم الإسلاميّ إلى تصاعد الاهتمام بتشكيل تكتُّل عسكري مشترك، يتجاوز التنسيق الثنائي نحو منظومة دفاعية جماعية؛ حيث إنَّ دعوة وزير الدفاع الباكستاني لإنشاء تحالف شبيه بحلف شمال الأطلسي تعكس هذا التوجه المتنامي. كما وأنَّ التوترات المتكررة في مناطق مثل غزة ولبنان وسوريا وكشمير دفعت العديد من الدول إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها الأمنية، وهذا الحراك يُعَبِّر عن رغبة في بناء مظلة ردع إسلامية قادرة على الاستجابة السريعة، ويُتوقَّع أن يشهد المستقبل خطوات عملية نحو هذا الهدف.

كما تتنافس بعض القوى الإقليمية على لعب دور قيادي في هذا المشروع، مثل: مصر والخليج العربي واللذان يسعيان لتثبيت نفوذهما في المعادلة الأمنية الجديدة. وهذا التنافس قد يُفضي إلى بَلْوَرَةِ هيكل تنظيميٍّ يُراعي التوازنات السياسية والمذهبية داخل العالم الإسلاميّ. كما وأنَّ الدعم المحتمل من قوى دولية مثل الصين يُضفي بُعدًا جيوسياسيًّا على المشروع، ويُعزِّز من فرص نجاحه في ظل تراجع الثقة بالتحالفات الغربية التقليدية. وهذا التوجه يُعيد تعريف مفهوم القيادة الدفاعية في السياق الإسلاميّ.

فالتحالف المرتقب لا يُبنى فقط على أساس التهديدات المشتركة، بل يستند أيضًا إلى مصالح اقتصادية وإستراتيجية متداخلة، فالتكامل في مجالات الطاقة والتكنولوجيا يُسهِم في تعزيز الاستقلالية الدفاعية، كما أنَّ التعاون في الصناعات العسكرية يُتيح للدول الإسلامية تطوير قدراتها الذاتية بعيدًا عن الاعتماد الخارجي. وهذا النموذج يُمكن أن يُشَكِّل نواة لتحالف متعدد الوظائف، يجمع بين الأمن والتنمية، ويُعيد الاعتبار لفكرة الاكتفاء الذاتي في مواجهة التحديات العالمية.

فالواقع الأمني المتغير يُحفِّز على بناء آليات تنسيق دائمة تشمل تبادل المعلومات وتوحيد العقيدة القتالية. فغياب مظلة جماعية فعالة في السابق أدَّى إلى تَشَتُّتِ الجهود في مواجهة الأزمات. والتحالف الجديد يُمكن أن يُعالِج هذه الثغرات عبر إنشاء مراكز قيادة مشتركة ومناورات دورية، كما وأنَّه يُعزِّز من جاهزية الدول الأعضاء في حال وقوع تهديدات مفاجئة، وهذا النموذج يُعيد رسم خطوط الدفاع الإسلاميّ بطريقة أكثر تنظيمًا وفاعلية.

ورغم التحديات السياسية والمذهبية، فإنَّ التطلعات نحو تحالف عسكري إسلاميٍّ تُعَبِّر عن وَعْيٍ جماعيٍّ بضرورة تجاوز الانقسامات. فالتجارب السابقة أثبتت أنَّ التنسيق المحدود لا يكفي لمواجهة التهديدات المعقدة. والتحالف المقترح يُمكن أن يُشَكِّل منصة لتوحيد المواقف في المحافل الدولية، كما وأنَّه يُسهِم في بناء هوية أمنية مشتركة تُعزِّز من مكانة الدول الإسلامية عالميًّا. وهذا المشروع -إن تحقق- سيكون نقطة تحول في تاريخ العلاقات الدفاعية الإسلامية.

في ظل سياسة الأحلاف والأحلاف المضادة، كيف يمكن قراءة مستقبل القوى العربية والإسلامية خلال السنوات القادمة؟

تتَّجِهُ القوى العربية والإسلامية نحو مرحلة جديدة من إعادة التموضع الإستراتيجي، مدفوعة بتسارع التحولات الدولية وتعدد مراكز النفوذ وتصاعد التهديدات الإسرائيلية. وهذا الواقع يَفرِض على هذه الدول تجاوز الأُطُر التقليدية في بناء تحالفاتها، والبحث عن صِيَغٍ أكثر مرونة واستقلالية. فالتجارب السابقة أظهرت محدودية الاعتماد على القوى الكبرى في ضمان الأمن والاستقرار، كما وأنَّ التحديات العابرة للحدود تتطلب تنسيقًا يتجاوز الاعتبارات القُطْرية والإقليمية، ويبدو أنَّ السنوات القادمة ستشهد تصاعدًا في المبادرات الإقليمية ذات الطابع السياديّ.

وفي المقابل: تُواجه هذه القوى تحديات داخلية تُعيق قدرتها على تشكيل جبهة موحدة؛ أبرزها: الانقسامات السياسية والتباين في الأولويات الوطنية، وهذا التباين يُضعِف من فاعلية أي مشروع جماعيٍّ ما لم يُبنَ على أسس واقعية وشاملة. كما وأنَّ بعض الدول لا تزال تُراهن على تحالفات خارجية قد تتعارض مع مصالح الجوار، ومع ذلك، فإنَّ تصاعد التهديدات المشتركة قد يُجبِر الأطراف المختلفة على مراجعة مواقفها. ويُتوقَّع أن تُعيد بعض العواصم النظر في سياساتها الخارجية تبعًا للمتغيرات.

فالتحولات التكنولوجية والاقتصادية تُعدُّ من العوامل الحاسمة في رسم مستقبل هذه القوى، إذ باتت أدوات النفوذ تتجاوز القوة العسكرية التقليدية، فالدول التي تستثمر في الابتكار والتكامل الاقتصاديّ ستكون أكثر قدرة على التأثير في محيطها؛ كما وأنَّ بناء شبكات إنتاج ومعرفة مشتركة يُعزِّز من الاستقلالية الإستراتيجية، وهذا المسار يتطلب إرادة سياسية وتخطيطًا بعيد المدى يتجاوز ردود الفعل الظرفية، ويُعيد الاعتبار لمفهوم التنمية كأداة للتمكين الجيوسياسي.

ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تصاعدًا في التنافس بين المشاريع الإقليمية المتباينة، سواء ذات الطابع القومي أو الديني أو الاقتصادي، وهذا التنافس قد يُفضي إلى تحالفات مرنة تتغير وفق المصالح المرحلية. كما وأنَّ بعض القوى الصاعدة قد تسعى لقيادة تكتلات جديدة تُعيد تعريف موازين التأثير، وهذا الواقع يُحَتِّم على الدول العربية والإسلامية تطوير أدوات تحليل إستراتيجيٍّ أكثر دقة، ويُعزِّز من أهمية مراكز الفكر في توجيه السياسات العامة.

وفي ظل هذا المشهد المُعَقَّد، ستُحدِّد قدرة الدول على التكيف مع المتغيرات موقعها في النظام الدولي القادم، فالديناميات الجديدة تَفرِض نماذج غير تقليدية في إدارة العلاقات والتحالفات. كما وأنَّ صعود قوى آسيوية وإفريقية يُعيد تشكيل خريطة المصالح العالمية. وهذا التحول يُتيح فرصًا لإعادة التموضع إذا ما استُثمِر بذكاء وواقعية، ويُتوقَّع أن يكون العقد القادم حاسمًا في بَلْوَرَةِ هوية جديدة للقوى العربية والإسلامية ضمن السياق العالمي المتغير.

الخلاصة:

تُظهر التحولات الأخيرة أنَّ العالم العربي والإسلاميّ بات أكثر وَعْيًا بضرورة بناء منظومات أمنية مستقلة تتجاوز التبعية التقليدية. فالتقارب الدفاعي بين بعض الدول يعكس رغبة في صياغة مواقف جماعية أكثر فاعلية في مواجهة التحديات المتشابكة. كما وأنَّ تصاعد التهديدات العابرة للحدود يُحفِّز على تطوير أدوات ردع متعددة المستويات، وهذا المسار يُمهِّد لتشكيل تكتلات جديدة تُعيد تعريف مفاهيم السيادة والتأثير. ومع تنامي الحراك الإستراتيجيّ، تبرز فرص لإعادة رسم خريطة النفوذ ضمن سياقات أكثر تنوعًا. ويبدو أنَّ السنوات القادمة ستشهد سباقًا بين مشاريع التمكين الذاتي والتحالفات المرنة.

المصادر:

المركز العربي الديموقراطي

مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية

مركز رع للدراسات الإستراتيجية

مركز الدراسات العربية الأوراسية

الكلمات المفتاحية

العلاقات السعودية الباكستانيةالأمن العربي الإقليميالتحالفات الدفاعية الإسلاميةالتهديدات الإسرائيلية للعالم العربيمكانة العالم الإسلامي في النظام الدولي