ارتفاع معدَّل الجريمة واستمرار الدعم الإيراني.. من يُنقِذ اليمنيين من جرائم الحوثيين؟

إقليمية
ارتفاع معدَّل الجريمة واستمرار الدعم الإيراني.. من يُنقِذ اليمنيين من جرائم الحوثيين؟
٢٢ دقيقةللقراءة
تاريخ النشر: ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٥

يعيش اليمنيون منذ نحو عقد في المناطق التي تُسيطر عليها جماعة الحوثي المُموَّلة من إيران، تحت ظروف بالغة الصعوبة والقسوة؛ وذلك ما بين القيود الأمنية المُفرِطة من جهة، والضغوط المعيشية والمَجاعة من جهة أخرى، حيث تحوَّلت الأماكن الخاضعة لهم إلى جحيم وأشبه بِشُغْل العصابات وقُطَّاع الطُّرق، لاسيما في ظل ارتفاع معدَّل الجريمة بشكل غير مسبوق. هذا إلى جانب اقتصاد مُوَجَّه لخدمة أجندة مليشيا الجماعة وإيران، ومن أجل استمرار السيطرة على الحكم عُنْوةً.

في هذا التقرير لمركز "رواق" للأبحاث والدراسات السياسية، نُسَلِّطُ الضوء على عدة نقاط ومحاور مهمة، وهي:

  • زيادة معدَّل الجريمة في أماكن سيطرة مليشيا الحوثي.

  • تقديس الزعيم وسرقة المساعدات الخارجية.

  • التطاوُل على الذات الإلهية: عبد الملك (الحوثي) ومزاعم ختم الجنة.

  • مليشيا الحوثي ونهب المساعدات التي تسبَّبَت في المجاعات.

  • الاستيلاء على الغذاء وتجنيد الأطفال بشكل ممنهج.

  • أبعاد العلاقة بين الحوثي والتنظيمات الإرهابية وطهران.

  • "غسيل أدمغة".. سياسات طائفية تقوم على التعبئة الفكرية المُتطَرِّفَة.

بدايةً حال المواطن اليمني:

عندما نتحدث عن حال المواطن اليمني، ربما لا تسعنا عشرات التقارير والرصد عن جرائم جماعة مُموَّلة من الخارج ضد الوطن والمواطن على حَدٍّ سواء، حيث أثبتت الوقائع والجرائم بالأدلة والبراهين أن الحوثيين يستخدمون الشعب اليمني كَرَهَائِنَ يَضْغَطُونَ بهم على الحكومة اليمنية وعلى الدول الإقليمية.

إن أبسط ما يُقال عن هذه المليشيا الإرهابية التي تتبع دولة الفقيه، هو أنها عصابة مرتزقة لا تتعامل مع اليمنيين كَمُواطِنينَ لهم حقوق، بل كورقة ضغط ووسيلة فاعلة لتحقيق أهدافها الطائفية، فإمَّا أن يَقبَلَ المواطن اليمني بسيطرتها على الحكم عُنْوةً، أو أن يتم قتله بدم بارد أو تجويعه.

وعلى سبيل المثال لا الحصر من سلسلة هذه الجرائم، فإن جماعة الحوثي تُهَدِّدُ بمعاقبة ملايين اليمنيين وحَجْب حقهم في التواصل والمعرفة والعمل على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقط لأن صفحاتهم أُغلِقَتْ بسبب خطابهم الإرهابي والعنصري القائم على التحريض والكراهية ضد المواطن اليمني.

الدعم الإيراني ونشر الفوضى والعنف:

لا شَكَّ تُعَدُّ إيران هي الدولة الوحيدة التي تعترف بحكومة الحوثيين في صنعاء بالمخالفة للقانون الدولي، ومن ثَمَّ فهي الدولة المُستَفِيدُ والمُفيدُ الرئيس لِـلحوثيين، حيث تُزَوِّدُهُم بالأسلحة والتدريب والاستخبارات العسكرية؛ إذ كانت هذه العلاقة عاملاً مهمًّا في تعزيز القدرات العسكرية للجماعة.

وبحسب منظمات دولية، من بينها هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة، فقد جَنَّدَ الحوثيون آلاف الأطفال منذ سنوات، لكن العدد ارتفع بشكل لافت بعد حرب غزة والشعارات التي ترفعها الجماعة، حيث يَخْضَعُ الأطفال لِتَلْقِين عقائدي وتدريب على مهام الدعم العسكري وتَلَقِّي الأفكار المسمومة.

وفي يوليو الماضي، أعرب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن عن قلقه العميق إزاء قيام مليشيا الحوثي بِسَكِّ عملات معدنية فئة 50 ريالًا يمنيًّا وطباعة أوراق نقدية من فئة 200 ريال يمني، حيث أكَّد على أَنَّ مثل هذه الإجراءات أحادية الجانب ليست السبيل الأمثل لمعالجة التحديات المتعلقة بالسيولة؛ بل تُهَدِّدُ بِتَقْوِيض الاقتصاد اليمني الهش أصلاً، كما تُعَمِّقُ وتُفَكِّكُ أُطُرَهُ النقدية والمؤسسية.

معاناة اليمنيين.. كيف حوَّل الحوثيون أماكن سيطرتهم لسجن كبير؟

لقد تحدَّث مئات اليمنيين الفارين من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ووصفوا جماعة الحوثي المُموَّلة خارجيًّا بأنهم حركة مسلحة تَقْمَعُ الأصوات المعارضة، وتَدْفَعُ الناس إلى حافة الجوع، وتَستَغِلُّ المساعدات الغذائية الدولية لإكراه الآباء على تسليم أطفالهم للقتال في صفوفها.

كما يعيش الناس بين المُرِّ والأمَرِّ منه، حيث يقوم أعضاء الجماعة بتخيير المواطنين؛ إمَّا أن تكون معنا وتحصل على الطعام لِسَدِّ الجوع أو لا، ويكون الخيار صعبًا.

وكَشَفَتْ صُحُفٌ محلية يمنية من خلال بعض المقابلات مع مدنيين يمنيين وعشرات من موظفي الإغاثة، إلى جانب مراجعة وثائق داخلية لوكالات إغاثة تابعة لِـلأمم المتحدة، كيف يُحَافِظُ الحوثيون على قَبْضَتِهِم الحديدية: يَفرِضُونَ طَيْفًا واسعًا من الضرائب على سُكَّان فُقراء، ويتلاعبون بنظام المساعدات الدولية، ويسجنون المئات.

كما تعرَّضَتْ منظمات حقوق الإنسان والإغاثة لِمَوْجَات من الاعتقالات، ففي أواخر أغسطس، قال برنامج الأغذية العالمي إن 15 موظفًا اعتُقِلُوا عقب اقتحام سلطات الحوثيين مكاتب المنظمة في العاصمة صنعاء، ليرتفع عدد موظفي الإغاثة المُحْتَجَزِين حاليًّا إلى 53 (العين).

وبسبب مُضايقات عناصر الحوثي، فقد تراجع تمويل المانحين للمشاريع الإنسانية في اليمن، ويُعْزَى ذلك جزئيًّا إلى استمرار الحوثيين في تحويل مسار المساعدات، وازداد الوضع سُوءًا هذا العام عندما نَضَبَ أكبر مصدر لتمويل أعمال الإغاثة الإنسانية في البلاد بعد أن خفَّضَتْ إدارة ترامب المساعدات الخارجية؛ ما أنْهَى العديد من العمليات التي كانت تُمَوِّلُها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ذِرَاع واشنطن لتقديم المساعدات.

ووفق الناشطة اليمنية ميساء شُجاع الدين، إِنَّ الحوثي استغلَّ حرب غزة لاكتساب زَخَمٍ، حيث أدركَتْ الجماعة أنها تستطيع استغلال حرب غزة وأصبحت مُغْرَمَةً بصورتها الإقليمية والدولية الجديدة، ومع ذلك فإن الغضب الشعبي تجاه الحوثيين يتصاعد على الأرض؛ حيث لا يتحمل اليمنيون وَطْأَة الضربات الإسرائيلية الانتقامية.

تقديس الزعيم وسرقة المساعدات:

يَحكُمُ الحوثيون عبر دائرة ضيِّقة من المُقَرَّبين وأفراد العائلة، كما يعتمد زعيمهم عبد الملك الحوثي على بَثِّ الخوف، وتقول منظمات لحقوق الإنسان وعدد من المُحتَجَزِين السابقين الذين تحدثوا لوسائل إعلام يمنية ودولية، إنه جَرَى اعتقال آلاف اليمنيين واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي وتعذيبهم على يد الحوثيين.

ويُؤَكِّدُ مئات النازحين: أن الحوثيين يُنَفِّذُونَ حملات تعبئة أيديولوجية مُكَثَّفَةً، إذ يُجبَرُ موظفو الدولة، بحسب قولهم، على حضور جلسات أسبوعية تُبَثُّ فيها محاضرات لِـعبد الملك الحوثي، فيما تنتشر صوره وكلماته على لوحات ضخمة في شوارع صنعاء، في وقت يُعَانِي فيه الموظفون من وَقْف الرواتب وصعوبة الحياة، والأسوأ ذَهَاب أتباع الحوثي عند البيوت لجمع تبرعات بشكل أسبوعي بِحُجَّة دعم مَسِيرات غزة.

بين 2015 و2024، جمعت الأمم المتحدة 28 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في اليمن، ذهب نحو ثُلث هذه الأموال، حوالي تسعة مليارات دولار، إلى برنامج الأغذية العالمي التابع لِـلأمم المتحدة لإطعام ما يصل إلى 12 مليون شخص شهريًّا، معظمهم في المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون (العين).

كما ضَخَّتْ وكالات الأمم المتحدة الأخرى، بما في ذلك صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومنظمة الصحة العالمية، مئات الملايين في المرافق الصحية وإمدادات الوقود والبرامج الغذائية، لكن المساعدات في كثير من الأحيان لا تصل إلى مُسْتَحِقِّيهَا؛ حيث يتحكم بها الحوثيون ويُوَجِّهُونها لِجَبَهَات القتال، ضد مؤسسات الدولة والمدنيين.

ووفقًا للمراقبين الميدانيين المحليين التابعين لِـلأمم المتحدة وموظفي الإغاثة، فقد سيطر الحوثيون فعليًّا على سلسلة إمداد المساعدات الإنسانية، حيث يعيش المدنيون أَسْوَأَ أنواع الحياة في ظل سيطرة الحوثي على بعض المحافظات (العين).

على سبيل المثال: تتضمن قوائم المستحقين للمساعدات أسماء عدد كبير من الأشخاص الذين ليس لهم وجود أو "المستفيدين الأشباح"، وغالبًا ما يكون أولئك الذين يتلقون المساعدات من الموالين لِـلحوثيين مثل المسلحين.

ويقول أحد موظفي الإغاثة: إنه من بين نحو تسعة ملايين شخص مُسجَّلين لِتَلَقِّي المساعدات في المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون، لم نكن نعرف خمسة ملايين منهم، حيث دَفَعَ هذا التقويض لعملية المساعدات برنامج الأغذية العالمي إلى تجميد توزيع السلال الغذائية في عام 2023 في المناطق التي يُدِيرُها الحوثيون.

تَوَقُّف الإغاثة في المحافظات الشمالية تَسَبَّبَ في المجاعات:

مُتَحَدِّثٌ باسم البرنامج الأممي، أكَّد أن تعليق المساعدات في شمال اليمن عام 2023، مُرتَبِطٌ بِتَعَذُّر التوصل إلى اتفاق مع سلطات الحوثيين بشأن تدابير تحديد المستفيدين الحقيقيين من المساعدات، مُضِيفًا أن المنظمة، استأنفت عمليات توزيع طارئة محدودة في المناطق الأكثر عُرضةً للخطر؛ لِتَفَادِي المَجاعة.

ولكن في الوقت الحالي، توقَّفَتْ جميع عمليات برنامج الأغذية العالمي في المحافظات الشمالية في اليمن، لاسيما في ظل سيطرة الحوثيين على جَمْع بيانات الأمن الغذائي، والتي تُشَكِّلُ الأساس لِتَقْيِيمَات الجوع التي يُجرِيها التصنيف المرحلي المتكامل، وتُسَاعِدُ هذه التقديرات البلدان المانحة على تحديد كيفية توزيع التمويل.

أضف إلى ذلك: إنه عندما جَمَعَتْ وكالات الأمم المتحدة بيانات لمسح التصنيف المرحلي المتكامل في عام 2023، اختار الحوثيون بأنفسهم العديد من جامعي البيانات وفقًا لثلاثة مُحَلِّلِين للأمن الغذائي شاركوا في العملية. وذَكَرُوا أيضًا أن الحوثيين حَدَّدُوا الأُسَرَ التي سيَشمَلُها المسح.

والعجيب أن الحوثيين يقومون بِتَضْخِيم مشكلة الجوع ليس من أجل الأطفال المُشَرَّدِين، حَسْبَما ذكرت وكالات عالمية ومحلية العام الماضي، ولكن في محاولة منهم لِجَذْب المزيد من التمويل الإنساني.

في المُقابل: حاولت منظمات الأمم المتحدة، تقليل تدخُّل الحوثيين في جَمْع البيانات بعد سرقة المساعدات، فاعتمدت على جَمْع البيانات عن بُعد من خلال المكالمات الهاتفية مع مُتَلَقِّي المساعدات لِتَقْيِيم مستويات الجوع، ولكن ذلك لم يكن كافيًا لِسَدِّ احتياجات جميع المواطنين والنساء الثَّكلَى.

ونظرًا للقيود التي تقوم بها مليشيا الحوثي ضد الأمم المتحدة، تَلْجَأُ أحيانًا إلى مُتعاقدين خارجيين لِتَوَلِّي مهام مراقبة توزيع المساعدات وجمع البيانات عن المستفيدين من أجل استهداف الفئات الأشد احتياجًا بشكل أفضل، وفي اليمن، كانت مُهِمَّة هؤلاء المراقبين هي الإشراف على مراكز توزيع المساعدات، وإجراء مقابلات مع المستفيدين، وتقديم تقارير إلى وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة بشأن أي انتهاكات يتم رصدها.

احتجاز أعضاء فِرَق الإغاثة التابعين لِـلأمم المتحدة:

بعد ذلك، قام الحوثيون بإغلاق عدد من الجهات الرقابية التابعة للمنظمة، إذ داهَمُوا مكاتبها واحتجزوا موظفيها، وقال 12 موظفًا في شركات مراقبة تعاقدت معها الأمم المتحدة، إنهم يخشون أداء مهامهم خوفًا من انتقام المليشيات الحوثية.

ومن ضمن جرائم الحوثي ضد الجهات والشركات الإغاثية، فقد تم إلقاء القبض على، عدنان الحرازي، الرئيس التنفيذي لِشركة برودجي سيستمز، إحدى شركات المراقبة الرئيسة، من مكتبه في يناير 2023، وُوُضِعَ في الحبس الانفرادي واتُّهِمَ بِالتجسُّس لصالح دولة أجنبية، ولكن في يونيو 2024، حُكِمَ عليه بالإعدام، وتم تخفيف عقوبته لاحقًا إلى السجن 15 عامًا.

وقال برنامج الأغذية العالمي: إن المخاطر التي تُهَدِّدُ سلامة مُرَاقِبِي الجهات الخارجية غير مَقبولة وأثارت قلقًا بالغًا بشأن قدرتهم على أداء عملهم بِفَاعِلِيَّة (العين).

وذَكَرَتْ وزارة الخارجية الأمريكية أن الحوثيين يحتجزون حاليًّا أكثر من 12 موظفًا محليًّا حاليًّا وسابقًا تابعين للحكومة الأمريكية بناءً على "اتهامات كاذبة". واتُّهِمَ الموظفون بِالتجسُّس، رغم أنهم يعملون في عمليات الإغاثة.

حيث ترى الأمم المتحدة: أن عدم وَضْع خُطُوط حمراء واضحة لِـلحوثيين جَعَلَ وكالات الإغاثة التابعة لِـلأمم المتحدة مُتَوَاطِئَةً فعليًّا في السرقة المُمَنْهَجَة للمساعدات بواسطة المليشيات.

وأوضح الموظفون: أنه على الرغم من الانتهاكات المتكررة من قِبَلِ الحوثيين، واصلت الأمم المتحدة عملياتها؛ مما سَمَحَ باستمرار سرقة المساعدات على نِطاق واسع، وذَكَرَ ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي الحاليين والسابقين وثلاثة مراقبين خارجيين، أن منظمات الأمم المتحدة تَعْرِفُ منذ سنوات أن بيانات الأمن الغذائي مغلوطة لكنها مع ذلك واصلت جَمْع البيانات وتحليلها.

الاستيلاء على الغذاء كوسيلة ضغط لتجنيد المقاتلين وتجويع الأطفال:

قال المُتَحَدِّث باسم برنامج الأغذية: دَأَبَ البرنامج على اتخاذ إجراءات فورية عند ظهور أدلة موثوقة على تحويل المساعدات أو سرقتها، ورَدَّ عَلَنًا عند الضرورة، وأشار إلى سلسلة من الإجراءات التي اتَّخَذَها البرنامج لِتَحْسِين آليات الاستهداف وإدارة قوائم المستفيدين.

لذا قام برنامج الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات سريعة؛ لضمان وصول المساعدات الحيوية إلى مستحقيها بِفَاعِلِيَّة وبتأثير ملموس، ودون أي تدخُّل خارجي، لاسيما أن البرنامج قد رَصَدَ العديد من أشكال إساءة استخدام المساعدات التي اشتكى منها يمنيون، ومنها مُصادرة والاستيلاء على المواد الغذائية لإطعام المسلحين التابعين للجماعة، كذلك حَجْب الغذاء كوسيلة ضغط لتجنيد المقاتلين، وإجبار الناس على القيام بأنشطة غير مرغوب فيها للحصول على المساعدات، مثل ترديد شِعَار مليشيا الحوثي (العين).

وفَرَّ عشرات الآلاف من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين هربًا من الجوع أو شَظَف العيش أو السجن أو تجنيد أطفالهم في صفوف مسلحي الجماعة.

وذَكَرَتْ منظمة هيومن رايتس ووتش أنه منذ 2009 على الأقل، دَأَبَ الحوثيون على تجنيد الأطفال بشكل ممنهج في صفوف قواتهم، وأضافت أنه منذ اندلاع حرب غزة زاد عدد الأطفال المُجَنَّدِين بشكل كبير.

وجَنَّدَ الحوثيون عبد المغني السناني قسرًا في سِنِّ العاشرة، حيث قال إنه تعرَّضَ للسجن والضرب والتلقين العقائدي.

ويقول السناني الذي يَمْكُثُ في مخيم مَأْرِب للنازحين في المنطقة التي تُسيطر عليها الحكومة في اليمن إنه تَلَقَّى تدريبًا عسكريًّا وكُلِّفَ بإيصال الإمدادات إلى جنود أطفال آخرين.

التطاوُل على الذات الإلهية.. عبد الملك (الحوثي) يَملِكُ خَتْم الجنة:

لم تَكْتَفِ مليشيا الحوثي بِتَحْوِيل حياة المدنيين إلى جحيم وتجنيد الأطفال والرجال لِمَن يريد الطعام، بل امتدَّ الأمر إلى التطاوُل على الذات الإلهية، حيث يقوم مُدَرِّبُو الجماعة، بإعداد الأطفال للموت ويقولون لهم: إن الطريق إلى الجنة يَمُرُّ عبر زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي! ويَحْكِي السناني أحد الذين تعرَّضُوا لِلتَّنْكِيل على يد عناصر الجماعة الذي يبلغ الآن 18 عامًا بِالقول: كانوا يقولون لنا ما في داعي للصلاة! كان يعطوننا محاضرات وكان يقولون إن عبد الملك (الحوثي) بِالخَتْم حقه نَدْخُلُ الجنة.

هذا إلى جانب معاناة الأهالي والمواطنين المكلومين وعشرات العائلات التي فَرَّتْ من مناطق الحوثيين، من قِيمَة ضرائب ورسوم باهظة يَفرِضُها الحوثيون.

ومن بين هؤلاء المواطنين الذين تعرَّضُوا للظلم والقهر على يد جماعة الحوثي، أبو حمزة، وهو من قدامى المحاربين في الجيش وأب لخمسة أطفال، حيث قام بِفَتْح بَقَّالة صغيرة في صنعاء لِإِعَالَة أسرته، لكن الضرائب المفروضة على أعماله قَلَّصَتْ دخله، اقترض حتى بَلَغَتْ ديونه خمسة ملايين ريال يمني (حوالي 20 ألف دولار).

ويضيف أبو حمزة: إِنَّهُ على الجانب الآخر من بَقَّالَتِه في صنعاء، تكرَّرَ مَشْهَدٌ مرارًا: شاحنات مُحَمَّلة بالمساعدات الإنسانية تَحمِلُ شعار برنامج الأغذية العالمي تَدخُل وتَخْرُجُ من مدرسة يُدِيرُها حوثيون، كما أن الشاحنات تَرجع في وَضَح النهار لِأَخْذ المساعدات.

إن جرائم مليشيا الحوثي امتدَّتْ إلى الضغط على المواطنين أطفالًا وشيوخًا ونساءً، لِحُضُور مَسِيرات، خصوصًا في يوم الجمعة حيث يَملَأُ آلاف الأشخاص الشوارع، كما يَطلبُونَ الانضمام إلى قواتهم والذهاب للقتال.

ومنذ عام 2020 أَفْلَسَ العديد من المدنيين بعد ما كانوا مستورين، وبدأ بعضهم في بيع أثاثه وممتلكاته، وهناك مِمَّن نَفَدَ ما لديه من المال، فكان يَمشِي إلى منطقة بعيدة عن المنزل حتى لا يراه جيرانه ويَقِفُ أمام مسجد ويَمُدُّ يَدَهُ يَطلبُ المال (العين).

ارتفاع الجرائم لـ 500٪.. الحوثي يَنقُلُ الإرهاب لمنازل اليمنيين:

كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات عن ارتفاع مُخيف وغير مسبوق في معدَّلات الجريمة داخل مناطق سيطرة مليشيا الحوثي بنسبة 500% خلال العام الجاري (العربية).

وأكَّدَتْ الشبكة في تقرير حقوقي حديث، أن مُعظَمَ الجرائم تُرتَكَبُ على أيدي قيادات حوثية أو عناصر عائدين من جبهات القتال والدورات الطائفية التي تُنَظِّمُها الجماعة، وأوضحت أن هذا التصاعد الخطير يَعكِسُ التحلُّل الأمني والانهيار القِيَمِي والاجتماعي في ظل سيطرة المليشيا على مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية، وتَحْوِيلَهَا إلى أدوات لخدمة أجندتها الطائفية، بعيدًا عن أية معايير للعدالة أو سيادة القانون (العربية).

وسَجَّلَ التقرير سلسلة من الجرائم الوَحْشِيَّة التي شَهِدَتْها الأيام الماضية في ست محافظات خاضعة لسيطرة الحوثيين، تَنَوَّعَتْ بين جرائم قتل أُسَرِيَّة واعتداءات جنسية وتعذيب للأطفال والنساء، وجَرَى تسجيل الجرائم في محافظات مثل: رَيْمَة وإب والجوف والبيضاء وصنعاء وعَمْرَان.

وأكَّدَتْ الشبكة أن تصاعد جرائم قتل الأقارب والعنف الأُسَرِي والاعتداءات ضد النساء والأطفال يَعْكِسُ خطورة الفكر الطائفي والدورات التعبوية التي تَفرِضُها المليشيا على عناصرها والسكان في مناطق سيطرتها، مُعْتَبِرَةً أن هذه الممارسات تُشَكِّلُ نَمَطًا من الإرهاب المُنَظَّم الذي يُهَدِّدُ المجتمع اليمني ويُقَوِّضُ السلم الأهلي والتماسُك الاجتماعي.

ووَثَّقَتْ الشبكة خلال النصف الأول من العام الجاري 123 جريمة قتل و46 حالة إصابة في 14 محافظة خاضعة لِـلحوثيين، مُشِيرَةً إلى أن الانتشار الواسع للسلاح وتدهور الأوضاع المعيشية والنفسية أَسْهَمَا في تفاقُم الظاهرة.

"غسيل أدمغة".. سياسات طائفية وتعبئة فكرية للأطفال والشباب:

قالت الشبكة: إن ما يَحْدُثُ في مناطق الحوثيين ليس مجرد جرائم فردية، بل مُؤَشِّرٌ على انهيار اجتماعي وأخلاقي شامل سَبَبُه السياسات الحوثية القائمة على التعبئة الفكرية المُتطَرِّفَة، لاسيما ضد النَّشْء الصغير، مُحَذِّرَةً من أن كل شاب يَخْضَعُ لعمليات "غسيل أدمغة" في الدورات الطائفية يُمَثِّلُ مشروع قاتل جديد داخل أسرته ومجتمعه.

وأضافت: أن مليشيا الحوثي تتعمَّدُ زَرْع الفِتَن والكراهية داخل النسيج الاجتماعي، وإشاعة ثقافة الموت على حساب قِيَم التعايُش والرحمة؛ ما يَجْعَلُ كل بيت في مناطقها مُهَدَّدًا بالانفجار الداخلي في أية لحظة.

وحَمَّلَتْ الشبكة اليمنية للحقوق والحريات مليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن تنامي ظاهرة العنف الأُسَرِي والجرائم المجتمعية، مُؤَكِّدَةً أن الجماعة تَنشُرُ ثقافة الكراهية باسم الدين وتَغْسِلُ عقول الشباب والأطفال بأفكار طائفية مُدَمِّرَة.

ودَعَتْ الشبكة المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل لِلضَّغْط على الحوثيين لِإِغْلَاق مراكز التعبئة الطائفية ووَقْف الدورات الفكرية التي تُحَوِّلُ المدنيين إلى أدوات قتل داخل أسرهم ومجتمعاتهم.

وحَذَّرَتْ من أن استمرار هذا المسار الحوثي سيُحَوِّلُ المجتمع اليمني إلى بيئة عنف دائمة، ما لم يُتَّخَذْ موقف حازم دولي لوقف تَمَدُّد الفكر الطائفي الإيراني داخل النسيج اليمني (العربية).

تحوُّل مناطق سيطرة الحوثيين إلى بُؤَرٍ للعنف والقتل والاغتصاب:

إن ارتفاع معدَّل الجريمة بشكل لا يَحْتَمِلُ يُهَدِّدُ التكاتف المجتمعي، ويُفْضِي إلى انفلات أمني كبير، كما يَفْتَحُ الباب أمام القتل بكل سهولة في ظل صمت عالمي مُدَوٍّ. هكذا تحوَّلَتْ مناطق سيطرة الحوثيين إلى بُؤَرٍ للعنف المُمَنْهَج وغياب القانون، حيث كَشَفَتْ الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أن معدَّل الجريمة ارتفع بنسبة 500% هذا العام (إرم نيوز).

لقد حَدَثَ هذا في ست محافظات أبرزها: إب وصنعاء، بينما تَنَوَّعَتِ الجرائم بين القتل والاعتداءات الجنسية وغيرها، وَسْط شَلَلٍ أمني كامل، حيث وَثَّقَتِ الشبكة خلال النصف الأول من العام وقوع 123 جريمة قتل و46 إصابة في 14 محافظة خاضعة لِـلحوثيين، مع تَفَشٍّ مُخيف لظاهرة حَمْل السلاح.

كما وصفت الشبكة ما يَحْدُثُ بِمُؤَشِّر انهيار اجتماعي شامل تَتَسَبَّبُ فيه السياسات الحوثية القائمة على عمليات "غسيل الأدمغة" التي تُطَبِّقُها في الدورات الطائفية للشباب الصغار، إذ يَنشأ كلٌّ منهم وهو يَبُثُّ مشروعًا قاتلاً جديدًا داخل أسرته ومجتمعه.

وشَهِدَتْ مناطق سيطرة مليشيا الحوثي في اليمن تصاعدًا مُقْلِقًا في وَتِيرَة الجرائم والانتهاكات خلال العام الجاري، في ظل انفلات أمني واسع وغياب شِبْه تام لِمُؤَسَّسات العدالة؛ ما أَدَّى إلى انتشار جرائم القتل والعنف الأُسَرِي والاعتداءات المُنَظَّمَة (إرم نيوز).

وأعلنت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات في تقريرها الصادر أمس الثلاثاء، عن ارتفاع معدَّلات الجريمة بِنِسَب غير مسبوقة، مُقَارَنةً بالسنوات الماضية، مُحَذِّرَةً من موجة عنف كبيرة تَجتاح ست مدن يمنية حاليًّا أو في الوقت الراهن.

لقد وَثَّقَتْ تقارير سلسلة من الجرائم المُروِّعة التي أثارت صدمة في الشارع اليمني، من بينها حادثة بَشِعَة في مدينة رَيْمَة، حيث أَقْدَمَ قيادي حوثي، بالتعاون مع عصابة يُشْتَبَهُ في ضُلوعها بِتِجَارَة الأعضاء، على قتل فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا وتقطيع جُثَّتِهَا بطريقة وحشية.

وفي مدينة إب، وتحديدًا مديرية بَعْدَان، شَهِدَتِ المنطقة جريمتين مُنفَصِلَتَين راحَتْ ضَحِيَّتَهُمَا امرأتان، قُتِلَتِ الأولى على يد زوجها، فيما قُتِلَتِ الثانية على يد ابن زوجها، وهو عنصر تابع لِـلحوثيين.

أمَّا في مدينة الجوف، فقد توفيت طفلة تبلغ من العمر حوالي 11 عامًا بعد تَعَرُّضِهَا لِضَرْب مُبَرِّح من والدها في واقعة هَزَّتِ المجتمع المحلي. وفي البيضاء، عُثِرَ على جُثَّة رجل مَشْنُوق في ظروف غامضة، بينما لا تزال مُلابَسَات الحادثة غير واضحة حتى اللحظة.

واصلت مليشيا الحوثي جرائمها إلى العاصمة صنعاء، حيث شَهِدَتْ منطقة بني الحارث جرائم مُرَوِّعَة مثل اغتصاب لِطفلة في العاشرة من عمرها، فيما اُخْتُطِفَ الطفل هشام عبد الله، البالغ من العمر 12 عامًا، على يد عصابة مُسَلَّحَة قامت بِضَرْبِه وتهديده بِالقتل قبل أن تُطْلِقَ سراحه (إرم نيوز).

الواقع الاقتصادي والاجتماعي بعد سيطرة الحوثي:

بعد أكثر من عقد على سيطرتها العسكرية على مساحات واسعة من شمال اليمن، لم تَعُدِ الحركة الحوثية قادرة على الاحتفاء بصورة مُغَايرة لِتَجْرِبَتِهَا الفعلية في الحُكْم، فالتجربة أَظهَرَتْ سُقُوط كثير من الأقنعة السياسية التي طالما ارتدتها الجماعة.

حيث قد بدأت شرائح واسعة من المجتمع تُظْهِرُ عليها بوادر احتقان عَلَني ضد مشروعها الطائفي والعنصري، وذلك نتيجة تَراكُم السياسات القمعية والاجتماعية والاقتصادية التي تَبَنَّتْهَا الحركة، وقد انعكس ذلك في تزايد حالات الاحتجاج المحدود، وفي تَنَامِي سَخَط اقتصادي واجتماعي ملموس داخل محافظات تَقَعُ تحت قَبْضَتِهَا؛ الأمر الذي جَعَلَ مشروعية حُكْمِهَا مَحَلاًّ مُتَزَايدًا لِلنِّقاش حتى داخل قواعدها التقليدية (الساحل الغربي).

اقتصاديًّا: يمكن أن نقول: لقد خَلَقَتْ سياسات مليشيا الحوثي حالة من الانقسام الاقتصادي المؤلم، فقد تحوَّلَتْ مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ومحطات العبور التجاري إلى أدوات لِاِسْتِخْلاص الإيرادات، وبدأت بيئة الأعمال تَنهار بفعل سياسات فَرْض الرسوم، والاحتكارات، وإعادة توجيه العائدات إلى شَبَكَات مُوَازِية تَخدُمُ قيادة الجماعة، الأمر الذي أَفْرَزَ تَضَخُّمًا في مستويات الفقر وتآكُلاً مُسْتَمِرًّا في القدرة الشرائية. تقارير الأمم المتحدة تُشير إلى أن أكثر من 70% من السكان في المناطق الخاضعة لِـلحوثيين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة.

وفي مؤشرات مُوَازِية تَسَبَّبَتْ سياسات الجماعة في نُدْرَة سِلَع أساسية وارتفاع أسعارها وانقطاع الخدمات؛ ما عَمَّقَ معاناة المدنيين ومَزَّقَ النسيج الاجتماعي، ذلك أن تقارير متعدِّدة ومن بينها دراسات دولية تُشير إلى أن الناتج المحلي وقدرته على الصمود تراجع بشكل حاد وأن الانقسام المؤسسي شَكَّلَ اقتصادين مُنفَصِلَين بِعُقَد تحديات إضافية أمام أي حلول وطنية.

تفتيت النسيج الاجتماعي وتغيير الهوية عبر المناهج الدراسية:

بجانب السياسات الاقتصادية القاسية، انْتَهَجَتِ الجماعة سياسة مُمنهجة لِتَفْتِيت النسيج الاجتماعي اليمني المتعدد والاستئثار بالهوية الوطنية، وبعد سيطرتها على العاصمة صنعاء، عَمِلَتْ على تغيير المناهج الدراسية لِتَعْزِيز الرواية التاريخية والطائفية التي تَخدُمُ مشروعها السياسي، وهو ما يُمَثِّلُ استهدافًا مباشرًا للأجيال الناشئة ومحاولة لِقَطْع صلتهم بتراثهم الوطني الزاخر.

وبالتالي، فقد أَدَّتْ هذه السياسات القائمة على المَحْسُوبِيَّة الطائفية والعنصرية المَنَاطِقِيَّة إلى إقصاء واسع النطاق لِكَفَاءات من خارج دائرة نفوذها؛ مما عَمَّقَ الفجوة بين مُكَوِّنَات المجتمع وأَضْعَفَ مؤسسات الدولة لصالح مؤسسات مُوَازِية تابعة للجماعة، هذا كُلُّه أَدَّى إلى نُشُوء هُوَّة سحيقة بين خطاب الجماعة "الوطني" الزائف وبين واقع التهميش والإقصاء الذي يُعَانِيه ملايين اليمنيين تحت حُكمها، مما يُهَدِّدُ بِتَبِعات اجتماعية وسياسية طويلة الأمد يَصْعُبُ إصلاحها حتى بعد زوال حُكْم الجماعة.

حيث أَثْبَتَتِ السنوات الأخيرة أن الجماعة لم تَتَراجَعْ عن منظومة الخطاب والشعارات التي تُرَوِّجُ للموت والسياسة العنيفة، فقد واصلت استخدام الصواريخ والطائرات المُسَيَّرَة والهجمات البحرية كأدوات للضغط الإقليمي، حيث أَطْلَقَتْ ما يَزِيدُ على الآلاف من هذه الأسلحة تجاه الأراضي السعودية والمنشآت الاقتصادية والإمارات والسُّفُن التجارية.

وهو ما دَفَعَ دُوَلاً وحلفاء إقليميين إلى تصعيد التدابير الأمنية والعقابية ضدها، فقد رَبَطَتْ تَحَرُّكَاتِهَا الميدانية بِتَصْعِيدات إقليمية، وما رُصِدَ من استلامها لِـدَعْم تقني وعسكري من جهات خارجية عَزَّزَ إمكاناتها في هذا المجال؛ ما جَعَلَ مِلَفّ إعادة الانتشار أو التحول إلى إدارة مدنية أمرًا صعبًا ما لم تَتَغَيَّرْ أولويات القيادة.

أبعاد العلاقة بين الحوثي والتنظيمات الإرهابية وطهران:

يمكن أن نقول بأن هناك تداخلاً وتنافُسًا ليس محليًّا وإقليميًّا فحَسْبُ، فالساحة اليمنية تَظَلُّ مَلْعَبًا لِـتَنَافُس عناصر مُتَبَايِنَة، ففي محافظات مثل شَبْوَة والبيضاء ومَأْرِب، تَتَأَرْجَحُ العلاقة بين الحوثيين وتنظيم القاعدة بين الصِّدام المسلح والتساوق التكتيكي، حيث تَتَنَازَعُ الجماعتان على النفوذ الجغرافي وخُطُوط التهريب والموارد.

وفي بعض الأحيان تَنْدَلِعُ اتصالات وتكامُلات تكتيكية مع شَبَكَات مُسَلَّحَة محلية أو فُرُوع لِتَنظِيمات مُتَطَرِّفَة في جنوب وشرق اليمن، بينما تَحْدُثُ صدامات أخرى أو تنافُسات حول النفوذ والموارد، لذا فإن توصيف التلازُم الكامل أو الولاء المطلق بين الحوثيين وهذه التنظيمات يحتاج إلى تفصيل دقيق حسب المناطق والظروف العملية، ومع ذلك فإن وجود مصالح مشتركة في مواجهة خُصُوم مُحَدَّدِين أو السيطرة على خُطُوط تهريب ومَمَرَّات مالية ليس أمرًا قابلاً لِـلإِنْكَار (الساحل الغربي).

إن العلاقة بين جماعة الحوثي وطهران وَطِيدة ومُتَكَامِلَة للغاية، فكُلُّ الدلائل والمُعطَيَات تُشير إلى تزويد الإيرانيين لِطَرَف عسكري لِلجماعة، والأجزاء التقنية للطائرات المُسَيَّرَة، وخبرات لوجستية وتعليمية سَاهَمَتْ في رَفْع كَفَاءَة الذراع العسكرية للحركة، وهذا الارتباط تَرَكَ أَثَرًا مُزْدَوَجًا، أولاً في تَمْكِين الحوثيين عسكريًّا بما يَسْمَحُ لهم بِتَوْسِيع رُقعة تأثيرهم، وثانيًا في تهميش قدرتهم على الادِّعاء بِاِستِقْلالِيَّة وطنية كاملة أمام المجتمع الدولي.

أمَّا على المستوى الدولي والضغوط بِالعقوبات: فقد شَهِدَتِ السنوات الأخيرة مَوْجَات تصاعدية من العقوبات واستهداف شَبَكَات التمويل والأنشطة التي تُدِيرُها الجماعة، فجهات رقابية وغربية أَصْدَرَتْ قوائم وعقوبات هدفها عَزْل منظومات التمويل والشراء والتصدير التي تَعتَمِدُ عليها، ومع ذلك فإن تأثير العقوبات على المؤسسات المدنية والاقتصاد العام يَبْقَى مُعَقَّدًا؛ لأنه يَتَقَاطَعُ مع حاجة اليمنيين لِـلمساعدات والاستيراد، وهذا التداخل خَلَقَ مُعضِلَة إنسانية وسياسية صعبة بالنسبة لِـلمجتمع الدولي الذي يَسْعَى لِتَقْيِيد قدرات الجماعة دون ضَرْب المدنيين بشكل مباشر.

تَعَاظُم الصراع على السلطة والخلافات داخل الجماعة:

تَسَبَّبَتْ شَبَكَات الولاء والتنافُس في إضعاف القوام التنظيمي على المدى الطويل بين قيادات محلية ومراكز قرار في صَعْدَة وصنعاء، وبَرَزَتْ صراعات حول الحِصَص الاقتصادية والدور السياسي، ومع ارتفاع ضغوط الحصار والعقوبات وتَضَاؤُل الموارد، تُصْبِحُ هذه الخلافات عاملاً مُسَرِّعًا لِضَعْف السيطرة المركزية، وهذا الانكماش في السلطوية قد يَنعَكِسُ في ازدياد حالات الانشقاق أو الانفصال المحلي، وهو ما قد يُؤَسِّسُ لِمَرْحَلَة من الفوضى الداخلية إذا لم تُدَارْ عبر ترتيبات تفاوضية داخلية أو مُصَالَحَات مدروسة.

إن سَقْفَ رِوَاَيَات الوطنية والسيادة الذي رَوَّجَتْ له الجماعة لِتَبْرِير سياساتها يَتَعَرَّضُ لِتَآكُل كبير، فالكثير من المواطنين في المناطق الخاضعة لِـلحُكْم الحوثي باتوا يَشعرون بأن مستوى الخدمات، والعدالة في التوظيف، وتوزيع الموارد لا يَخدُمُهُم، وهذا يَخْلُقُ فجوة بين خطاب الشرعية الذي تَبَنَّتْهُ الجماعة وبين واقع يومي يَعِيشُه المواطن، وهو أمر له انعكاسات على مَتَانَة الحاضنة الاجتماعية للحركة إذا استمرت الممارسات بِنَسَقِهَا الحالي.

سيناريوهات مُحتَمَلة لِلتغيير داخل جماعة الحوثي:

ليس هناك احتمال واحد واضح حتى الآن، بل مجموعة سيناريوهات يمكن تناولها كإمكانيات واقعية:

  • **الجمود المستمر: **وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا في المدى المنظور، حيث تنجح الجماعة في الحفاظ على سيطرتها شمال اليمن باستخدام القمع الأمني والاستغلال الاقتصادي، بينما تستمر في مواجهة أزمات شرعية واقتصادية دون انهيار كُلِّي، في ظل جُمُود المسار السياسي وعدم توفُّر الإرادة الدولية الكافية لِفَرْض حَلٍّ (الساحل الغربي).
  • **الانهيار التدريجي بسبب الوضع الاقتصادي: **حيث تُؤَدِّي الأزمة الاقتصادية وانقسام نُخَب القيادة إلى سلسلة انشقاقات وفَقْدَان لِلقدرة على إدارة الموارد؛ ما يُؤَدِّي إلى تَفَكُّك السيطرة على مناطق بِعَيْنِهَا مثل الحديدة وإب وتَعِزّ، وهذا المسار قد يَقُودُ إلى تَفَجُّر نِزَاعات محلية مُتَشَابِكَة تَتَدَاخَلُ فيها عناصر قبلية ومحلية ومجموعات مسلحة أخرى.
  • **التحول إلى إدارة شبه مدنية مدفوعة بمُقايَضَات خارجية وإقليمية: **حيث قد تُقَدِّمُ بعض الأطراف الدولية والإقليمية حوافز أمنية أو سياسية مقابل تقديم امتيازات لِإِدارة شِبْه مدنية تَقبَلُ بِتَقْيِيد النشاط العسكري، وهذا يَتَطَلَّبُ تغييرًا في خيارات القيادة الحوثية أو استبدالها بِمُكَوِّنَات أكثر مَيْلاً لِلاتفاقات، وهو مسار صعب، لكن ليس مستحيلًا إذا تَوَافَرَتْ ضمانات دولية وإقليمية مُعْتَبَرَة.
  • **التصعيد الإقليمي: **الذي يَمْنَحُ الجماعة زَخْمًا عسكريًّا مُؤَقَّتًا بِفِعْل دعم خارجي مُتَزَايد، وهذا قد يَدْفَعُها إلى مزيد من التَّجَذُّر والاعتماد على الموارد العسكرية، لكنه في المُقابل سَيَزِيدُ من عُزْلَة الجماعة ويُفَاقِمُ تَكْلِفَة أي بقاء طويل الأمد على السلطة.
  • **تحوُّل المشهد إلى وضع شبيه بالاحتلال: **حيث تَتَوَالَى مناطق نفوذ مُتَنَاوِبَة بين جماعات وميليشيات محلية وقوات حكومية ومصالح إقليمية، وهذا سيناريو فوضوي للغاية ويُعَقِّدُ عملية إعادة الدولة بشكل جذري.

خِتَامًا نَقُولُ:

إن المشهد الراهن يُظْهِرُ مليشيا الحوثي بأنها جماعة بالغة التعقيد والعَبَث والعنف والتطرُّف، ورغم أن لديها قدرات مالية وعسكرية بسبب الدعم القادم لها من دولة الفقيه، إلا أنها تواجه أزمات شرعية واقتصادية واجتماعية مُتَّصِلَة، كما أن الاعتماد على دعم خارجي يَربِطُهَا بِمَحَاوِر إقليمية يُضْعِفُ رِوَاَيَة السيادة الوطنية التي ظَلَّتْ تَتَغَنَّى بها، بينما العقوبات الدولية والتعاطي الأمني الإقليمي يَزِيدَان من الضغوط عليها ويُقَيِّدَان مواردها.

إن سياسات الحوثي وجرائمها بِحَقِّ المدنيين منذ أكثر من عقد مَضَى، ربما يَفْتَحُ الباب أمام عدة سيناريوهات لِلمستقبل تَتَرَاْوَحُ بين التفكُّك البطيء والتحول المَشروط، أو الانجراف نحو مزيد من العزلة والتطرُّف في حال تصاعد الدعم الخارجي أو فَشَل محاولات إدماجها سياسيًّا ووَقْف جرائمها.

من الواضح أن الشعب اليمني ومن خلال الروايات والقصص التي ذُكِرَتْ على أَلْسِنَة نُشَطَاء ومدنيين وأعضاء من فِرَق الإغاثة، كُلُّهَا تُؤَكِّدُ مَدَى الظلم والقهر والبطش، الذي يَعِيشُه اليمنيون على يد هذه الجماعة الإرهابية، والحَلُّ يَكْمُنُ في تَحَرُّك عاجل من المجتمع الدولي، ووَقْف الدعم الإيراني الذي يَضْرِبُ دولة مسلمة، بِاِعْتِبَار أن إيران دولة مسلمة تَدَّعِي الالتزام والتدين.

الخلاصة:

  • يعيش اليمنيون منذ نحو عقد في المناطق التي تُسيطر عليها جماعة الحوثي وخصوصًا في محافظات الشمال اليمني، حيث سيطرة هذه المليشيا المدعومة من إيران، تحت ظروف بالغة الصعوبة والقسوة، إلى جانب القيود الأمنية والضغوط المعيشية، وسرقة ونَهْب المساعدات التي تُوَزَّعُ على عناصر الجماعة الإرهابية وأتباعها.
  • لقد حوَّل الحوثيون حياة المواطن اليمني إلى جحيم حقيقي، فالوظائف والمساعدات وإيصال الطعام لا يكون إلا بِمُقَابِل فَجٍّ وصعب عبر الولاء والبراء والعَبَث بِالدين، وبالتالي، فقد تُؤَدِّي سياسات مليشيا الحوثي إلى تَفْكِيك مُكَوِّنَات المجتمع وإضعاف مؤسسات الدولة لصالح مؤسسات مُوَازِية تابعة لها في حال استمرار الوضع على هذا النهج وعدم التدخل الدولي لوقف هذه الجرائم.
  • تقوم سياسة الحوثي فقط على المَحْسُوبِيَّة الطائفية والعنصرية وهو ما أَدَّى إلى إقصاء واسع النطاق لِكَفَاءات من خارج دائرة نفوذها؛ مما عَمَّقَ الفجوة بين مُكَوِّنَات المجتمع وإضعاف مؤسسات الدولة لصالح مؤسسات مُوَازِية تابعة للجماعة، هذا إلى جانب خطاب الجماعة "الوطني" الزائف، في ظل واقع المعاناة والتجويع والتهميش والإقصاء الذي يُعَانِيه ملايين اليمنيين تحت حُكمها البائد.
  • هناك خطر دَاهِم يكمن في تهديد مُعتَقَدَات وأفكار الشباب والنشء الصغير وهو ما حَذَّرَتْ منه حتى الأمم المتحدة نفسها، بعدما قامت بِتَغْيِير المناهج الدراسية، واللعب في الهوية ونَشْر التطرُّف والعَبَث حول الفطرة الصحيحة لدى أطفال أهل السنة والجماعة، ومحاولة استبدالها بالفكر الشيعي المُتطَرِّف.
  • لقد حوَّلَتْ سياسات مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، المشهد في اليمن إلى وضع شبيه بالاحتلال تمامًا، حيث تَتَوَالَى مناطق نفوذ مُتَنَاوِبَة بين جماعات وميليشيات تابعة لها، وبين قوات حكومية، إلى جانب مصالح إقليمية تَعْبَثُ في اليمن، وهو سيناريو فوضوي للغاية، الأمر الذي يُعَقِّدُ عملية إعادة الدولة بشكل جذري.
  • بِالأَخِير: إن استمرار دَعْم إيران حيث الدولة الوحيدة التي تعترف بحكومة الحوثيين في صنعاء بالمخالفة للقانون الدولي، وتزويدهم بالأسلحة والتدريب والاستخبارات العسكرية، يُمَثِّلُ قُنبلة موقوتة؛ بل خطرًا دَاهِمًا في تَفْكِيك النسيج المجتمعي في اليمن، ومع ذلك، يَظَلُّ اللَّهْثُ وراء السلطة داخل الجماعة نفسها سيناريو مُتَوَقَّعًا لِضَرْبِهَا أو تَفَكُّكِهَا، إلى جانب سَخَط المواطنين عليها، وحتى من بعض أتباعها الذين يَتَضَوَّرُونَ جوعًا، خصوصًا الذين يُعَانُونَ من الحرمان وشِدَّة الجوع.

 

المصادر:

- العربية

- العين

- إرم نيوز

- الساحل الغربي

الكلمات المفتاحية

جرائم الحوثيالعلاقة مع إيرانزيادة معدل الجريمةسرقة المساعداتالسياسات الطائفيةتجنيد الأطفال