قراءة في ملامح الاتفاقية الأمنية بين سوريا وإسرائيل في ظل التمدد الإسرائيلي في الجنوب السوري

إقليمية
قراءة في ملامح الاتفاقية الأمنية بين سوريا وإسرائيل في ظل التمدد الإسرائيلي في الجنوب السوري
١٢ دقيقةللقراءة
تاريخ النشر: ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٥

تشهد المنطقة الجنوبية من سوريا حراكًا دبلوماسيًّا وأمنيًّا متزايدًا في الآونة الأخيرة، مع تصاعد وتيرة اللقاءات غير المُعلنة التي تجمع أطرافًا إقليمية ودولية حول مستقبل الأمن الإقليمي وحدود النفوذ في تلك الجغرافيا الحساسة. وتأتي هذه التحركات في ظل محاولات مستمرة لإعادة ترتيب المشهد الأمني بما ينسجم مع التحولات الجارية في العلاقات الإسرائيلية العربية، ومع محاولات القوى الغربية توظيف أوراق الضغط على دمشق لإعادة توجيه سياساتها، كما يندرج هذا المسار ضمن سياق أوسع لإعادة ضبط ميزان القوى في الميدان السوري، وسط تناقض المصالح بين اللاعبين المحليين والدوليين، ما يجعل هذه المباحثات امتدادًا لصراع خفي تتداخل فيه الجغرافيا بالسياسة والأمن معًا.

فما تفاصيل المباحثات الأمنية بين سوريا وحكومة الاحتلال؟ وإلى أي مدى يمكن أن تسهم المباحثات الأمنية بين سوريا والكيان الإسرائيلي في إعادة رسم خريطة النفوذ في الجنوب السوري؟ وكيف تنعكس الضغوط الغربية على دمشق في مسار هذه المفاوضات، وهل تدفعها نحو تنازلات محددة؟ وما الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الإقليمية والعربية، مثل تركيا وروسيا، في توجيه أو عرقلة مسار تلك التفاهمات؟ وهل تسعى حكومة الاحتلال من خلال هذه المباحثات إلى تكريس واقع أمني جديد يضمن لها عمقًا إستراتيجيًّا مستقرًّا في الجولان ومحيطه؟ وفي ظل ذلك المشهد كيف يمكن قراءة مستقبل العلاقات بين السلطة السورية الجديدة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي؟

يسلط مركز «رواق» للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على ملامح الاتفاقية الأمنية بين حكومة الاحتلال والدولة السورية في ظل مشهد التفاوض تحت النار والضغوطات الغربية المتزايدة على دمشق وأثرها على مستقبل الاتفاق، في السطور التالية.

تفاصيل المباحثات الأمنية بين سوريا وحكومة الاحتلال:

تجري اللقاءات الأمنية بين الجانب السوري وممثلي حكومة الاحتلال في أجواء يغلب عليها الطابع السري، وتحت إشراف أطراف دولية تسعى لضمان استقرار خطوط التماس في الجنوب، ويُعتقد أن هذه الجلسات تتم برعاية غير مباشرة من قوى إقليمية تتوسط لضبط التوتر ومنع أي انزلاق عسكري جديد. وتشير التقارير الإعلامية إلى أن الملفات المطروحة تشمل ترتيبات ميدانية تخص انتشار القوات، وضبط التحركات على الحدود، وضمان عدم اقتراب المقاتلين الأجانب في صفوف القوات السورية من الجولان المحتل (الجزيرة).

كما تركز الجولات الأخيرة على إيجاد آلية دائمة للتهدئة، في ظل رغبة إسرائيلية بإضعاف سلطة دمشق في الجنوب السوري، مقابل تسهيلات اقتصادية وإنسانية محتملة لها. كما تناولت النقاشات سبل إعادة فتح بعض قنوات الاتصال الأمنية التي جُمدت منذ سنوات الحرب، بما يسهم في تقليص احتمالات التصعيد المباشر، ويرى مراقبون أن هذه الترتيبات تحمل طابعًا مؤقتًا، لكنها قد تشكل نواة لتفاهمات أوسع في حال استقرار الأوضاع السياسية.

وتتداخل في تلك المحادثات مصالح متعددة، إذ تحاول موسكو الحفاظ على دورها كضامن أمني ميداني، فيما تسعى واشنطن إلى منع أي تقارب فعلي بين الطرفين خارج إطار رقابتها. ويستفيد الجانب الإسرائيلي من الغطاء الغربي في فرض شروطه الأمنية، بينما تحاول دمشق توظيف الملف كورقة تفاوضية في مواجهة الضغوطات الدولية، ويبدو أن كل طرف يسعى لاستثمار تلك الاجتماعات لخدمة أجندته الداخلية والإقليمية.

ومن جهة أخرى: تحاول السلطة السورية المؤقتة استعادة بعض السيطرة على مناطق الجنوب عبر التنسيق مع فصائل وقيادات محلية درزية، بما يحدّ من الهجمات الجوية الإسرائيلية المتكررة، وتدور نقاشات حول إنشاء مناطق منزوعة السلاح جزئيًّا بإشراف أمريكي، إلى جانب مقترحات لإعادة هيكلة الأجهزة المنتشرة في محيط درعا والقنيطرة، وتظهر هذه الخطوات كمحاولة لتقديم صورة أكثر انضباطًا تساعد دمشق في كسب ثقة الأطراف المتدخلة (سكاي نيوز عربية).

ورغم كل ذلك، ما زالت الشكوك تحيط بجدوى هذه اللقاءات، خاصة في ظل غياب أي التزام واضح من قبل الكيان الإسرائيلي بوقف عملياته الجوية وتوسعه البري داخل الأراضي السورية، كما أن الانقسامات داخل مؤسسات القرار السوري وموجات العنف المسلح بين القوات السورية والفصائل الدرزية في الجنوب، تُضعف فرص بلورة موقف تفاوضي موحد. وبينما تراهن بعض القوى على استمرار الحوار كخيار لتخفيف حدة التوتر، يظل مستقبل هذا المسار مرهونًا بتبدل موازين القوى الإقليمية وإرادة الأطراف في تحويل التفاهمات الأمنية إلى ترتيبات دائمة.

إلى أي مدى يمكن أن تسهم المباحثات الأمنية بين سوريا والكيان الإسرائيلي في إعادة رسم خريطة النفوذ في الجنوب السوري:

تتزايد أهمية الجنوب السوري بوصفه نقطة تماس إستراتيجية بين مصالح متشابكة تشمل دمشق وتل أبيب وأنقرة وموسكو، ما يجعل أي تحرك تفاوضي فيه ذا انعكاسات عميقة على ميزان القوى، فالمباحثات الجارية تحمل أبعادًا تتجاوز الترتيبات الأمنية لتلامس جوهر النفوذ والسيطرة في المناطق الحدودية. ومن شأن أي تفاهمات أن تُعيد تحديد حدود المجال الحيوي لكل طرف، بما يضمن استقرارًا نسبيًّا يخدم مصالح متناقضة ظاهريًّا لكنها متقاطعة في جوهرها.

وتسعى حكومة الاحتلال الإسرائيلي من خلال هذا المسار إلى تثبيت معادلة ردع جديدة في الجنوب، عبر إضعاف سلطة دمشق المركزية المباشرة وإبعاد القوات الحكومية والمقاتلين الأجانب في صفوفها. وفي المقابل، تحاول دمشق الحفاظ على حضورها الرمزي والسيادي في تلك الجغرافيا الحساسة دون الدخول في مواجهة مفتوحة، وهذا التوازن الدقيق يشكل أحد مرتكزات المرحلة الراهنة، حيث يبدو كل طرف حريصًا على تفادي الانفجار الشامل مقابل تحقيق مكاسب تدريجية.

أما موسكو، فتلعب دور الضامن الميداني الذي يسعى لتكريس نفوذها من خلال ضبط الإيقاع الأمني وإدارة التواصل بين الطرفين، وتدرك القيادة الروسية أن استقرار الجنوب ينعكس على نفوذها العسكري والسياسي داخل سوريا وعلاقاتها المستقبلية بالسلطة المؤقتة السورية، ما يدفعها إلى دعم مسارات التهدئة حتى وإن كانت محدودة، وهذا الدور الروسي يمنح المباحثات طابعًا أكثر واقعية ويمنعها من الانزلاق نحو صدام مباشر (اندبندنت عربية).

وفي المقابل: تبدو واشنطن مراقبًا نشطًا يسعى للتأكد من أن أي تفاهم لا يخرج عن الإطار الإستراتيجي الذي يخدم مصالحها ومصالح تل أبيب في المنطقة، فالإدارة الأمريكية تدرك أن الجنوب السوري يمثل بوابة لتوسيع دائرة النفوذ الإسرائيلي انطلاقًا من الجولان، ما يجعلها حريصة على استمرار الضغط على دمشق إلى أقصى حد، كما تحاول توظيف هذه التحركات لفرض شروط جديدة تتعلق بإعادة الإعمار والعلاقات الإقليمية المستقبلية.

وتنعكس نتائج هذه المداولات على البنية المحلية للجنوب، حيث تتغير خريطة القوى الميدانية تبعًا لتفاهمات غير معلنة وضغوطات متبادلة، فالفصائل المحلية الدرزية أصبحت جزءًا من معادلة ضبط التوازن، بينما تسعى دمشق لإعادة دمجها ضمن مؤسساتها تدريجيًّا. ويبدو أن إعادة رسم النفوذ في تلك المنطقة لا تتم عبر الحسم العسكري بل من خلال تفاهمات دقيقة توازن بين المصالح الإسرائيلية والأمريكية والسورية ضمن حدود الصراع الإقليمي الأوسع.

انعكاسات الضغوط الغربية على دمشق في مسار هذه المفاوضات:

الضغوط الغربية المتزايدة على دمشق، تهدف إلى دفعها نحو مسار تفاوضي أكثر انصياعًا للمطالب الإسرائيلية في الملفات الأمنية والسياسية، وهذه الضغوط تتخذ أشكالًا متعددة تشمل العقوبات الاقتصادية، وتقييد الحركة الدبلوماسية، وربط أي تخفيف للحصار بتنازلات محددة في الميدان. وتستغل القوى الغربية الوضع الاقتصادي الهش في سوريا كوسيلة لفرض شروط جديدة تتعلق بانتشار القوات السورية وبآليات ضبط الحدود، وهذا النهج يضع السلطة السورية المؤقتة أمام خيارات محدودة بين الصمود أو تقديم تنازلات محسوبة (اليوم السابع).

ومن ناحية أخرى: تحاول العواصم الأوروبية توظيف أدواتها السياسية والإنسانية للضغط على دمشق عبر ملف اللاجئين والمساعدات. إذ تربط بعض الدول الغربية أي مشاركة في إعادة الإعمار بمدى تجاوب السلطة السورية المؤقتة مع متطلبات التسوية الإقليمية، كما يجري استخدام الورقة الإنسانية كوسيلة غير مباشرة للتأثير على قرارات القيادة السورية، وهذه السياسة تهدف إلى تحقيق مكاسب تدريجية دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة.

والولايات المتحدة تلعب الدور الأبرز في هذا المسار، إذ تسعى للحفاظ على معادلة تمنع دمشق من إعادة بناء علاقاتها مع محيطها الإقليمي دون المرور عبر البوابة الغربية، وتعمل واشنطن على إبقاء الضغوط المالية والسياسية كأداة لعرقلة أي تحالفات جديدة قد تضعف نفوذها في المنطقة. وفي الوقت نفسه، تترك هامشًا محدودًا للحوار لتقييم مدى استعداد السلطة السورية المؤقتة للانصياع للمطالب الغربية، وهذه الإستراتيجية تمنحها قدرة على التحكم بإيقاع المفاوضات دون التورط ميدانيًّا.

وفي المقابل: تحاول دمشق امتصاص الضغوط عبر خطاب مزدوج يجمع بين التصلب السياسي والمرونة التكتيكية، فهي تلوّح بورقة التحالف مع أنقرة وإعادة تنظيم علاقاتها بموسكو كلما تصاعد الضغط الغربي، لكنها في الوقت نفسه لا تغلق الباب أمام التفاهمات الجزئية التي تخفف من أعباء الداخل. وهذا التوازن يعكس إدراكها أن أي مواجهة مفتوحة ستزيد من عزلتها وتفاقم أزمتها الاقتصادية، ومن ثم تتعامل مع الضغوط كجزء من لعبة المساومة لا كتهديد وجودي.

أما على الصعيد الإقليمي، فتسعى بعض القوى العربية إلى تخفيف حدة الضغوط عبر تشجيع دمشق على الانفتاح التدريجي ضمن أطر محددة، وهذا الدور الوسيط يمنح السلطة السورية المؤقتة متنفسًا سياسيًّا، لكنه في الوقت نفسه يحد من قدرتها على المناورة الكاملة. فالضغوط الغربية، رغم تعدد مساراتها، تبقى عاملاً فاعلاً في توجيه مواقف دمشق خلال أي مفاوضات قادمة، وتدفعها إلى انتهاج سياسة حذرة تراعي توازن القوى الدولي والإقليمي في آن واحد.

الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الفاعلة والعربية في مشهد المفاوضات:

تلعب موسكو دورًا أوليًّا بعد سقوط نظام الأسد في ضبط مسار التفاهمات الأمنية، فهي تنظر إلى الجنوب السوري كمحاولة لإعادة ضبط نفوذها العسكري والسياسي في البلاد، وتعمل على الحفاظ على خطوط التواصل بين دمشق وتل أبيب بهدف منع التصعيد وإبقاء زمام المبادرة بيدها. كما تتعامل مع واقع سوريا ما بعد الأسد لتمرير ترتيبات ميدانية تضمن بقاء قواتها كقوة مراقبة ضمن المعادلة الإقليمية، وهذا الدور يمنحها موقع الوسيط القادر على توجيه الأحداث وفق مصالحها الإستراتيجية (مصراوي).

أما أنقرة، فتتعامل مع أي تفاهمات تمس الأراضي السورية من زاوية أمنها القومي، خصوصًا ما يتعلق بالوجود الكردي شمال البلاد، ورغم ابتعادها الجغرافي عن الجنوب، إلا أنها تتابع تلك المفاوضات بعين الحذر خشية انعكاساتها على التوازنات الداخلية في سوريا. وتحاول أنقرة استثمار موقعها في الشمال لتأمين نفوذها السياسي والعسكري مقابل تنازلات محددة في الملفات الأخرى، وبذلك تبقى تركيا لاعبًا غير مباشر لكنها مؤثرة في مجريات التسويات.

ومن جانب آخر، تحاول بعض العواصم العربية الدخول على خط الترتيبات لتقريب وجهات النظر وضمان عدم انزلاق الميدان إلى مواجهة مفتوحة، فالدول المجاورة مثل الأردن تنظر بقلق إلى أي اضطراب في الجنوب لما له من تأثير مباشر على أمنها الداخلي. وتعمل بعض القوى الخليجية على دعم مقاربات تهدف إلى إعادة دمج دمشق في محيطها العربي تدريجيًّا، وبهذا يصبح الدور العربي عنصر توازن إضافي في معادلة معقدة تتقاطع فيها المصالح الدولية والإقليمية.

حكومة الاحتلال الإسرائيلي ومحاولات تكريس واقع أمني جديد:

تتحرك حكومة الاحتلال ضمن رؤية إستراتيجية تهدف إلى تثبيت حالة من الواقع الدائم في جبهة الشمال الشرقي، بما يسمح لها بتركيز جهودها على ملفات أخرى في الإقليم. فهي ترى في الجنوب السوري منطقة عازلة مثالية يمكن من خلالها مراقبة أي تحرك معادٍ ومنع اقتراب القوى المعادية من حلفائها الدروز، ومن هذا المنطلق، تسعى إلى استثمار المباحثات لضبط البيئة الأمنية بما يتناسب مع مصالحها طويلة الأمد دون الحاجة إلى تدخل عسكري واسع (صحيفة الخليج).

إذ تستند السياسة الإسرائيلية في هذا الإطار إلى مبدأ «الأمن الوقائي»، أي التعامل مع التهديدات قبل أن تتشكل فعليًّا، ولذلك تعمل على فرض تفاهمات ميدانية غير معلنة تتيح لها تنفيذ ضربات دقيقة عند الضرورة مع تجنب الانزلاق إلى حرب مفتوحة. كما تستغل حالة الإنهاك الداخلي في سوريا لتحقيق مكاسب أمنية تدريجية تكرّس واقعًا ميدانيًّا يصعب تغييره مستقبلاً، وهذه المقاربة تمنحها تفوقًا تكتيكيًّا دون تكاليف سياسية كبيرة.

ومن ناحية أخرى: تسعى تل أبيب إلى بناء شبكة من الاتصالات غير المباشرة مع شخصيات درزية محلية في الجنوب لضمان استمرار الاستقرار وفق معاييرها، وتوظف هذه العلاقات لتكوين بيئة موالية أو محايدة تساهم في الحد من التوترات. وهذا النمط من الانخراط يتيح لها التأثير في الأحداث من خلف الكواليس، بعيدًا عن الظهور الرسمي الذي قد يثير اعتراضات دولية، وبهذا الشكل تُعيد تشكيل المشهد الأمني عبر أدوات ناعمة إلى جانب قوتها العسكرية.

كما تحاول حكومة الاحتلال التنسيق مع موسكو باعتبارها ما تزال فاعلًا في المشهد السوري، في ظل إدراكها لأهمية الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة. وهذا التعاون غير المعلن يعكس تقاطع مصالح مؤقتة هدفه تحقيق استقرار محسوب يحافظ على النفوذ الإسرائيلي في الجنوب السوري. وبذلك تبقى حكومة الاحتلال الطرف الأكثر قدرة على التحكم بتوقيت التصعيد أو التهدئة.

وعلى الصعيد الإستراتيجي: تعمل حكومة الاحتلال على استثمار هذه الترتيبات لترسيخ مبدأ «الحدود الآمنة» والذي يشكل ركيزة أساسية في عقيدتها الدفاعية، فهي ترى أن إحكام السيطرة المعنوية والميدانية على محيط الجولان يضمن لها مجالاً حيويًّا واسعًا يمكن الدفاع عنه بسهولة. ومع استمرار الانقسامات داخل الساحة السورية، تجد في الوضع الحالي فرصة نادرة لتثبيت وقائع جديدة على الأرض تُحافظ على تفوقها الأمني وتؤمّن استقرارًا طويل المدى في محيطها الشمالي.

ملامح الاتفاق الأمني السوري الإسرائيلي ومستقبله خلال السنوات القليلة القادمة:

تبدو ملامح التفاهم الأمني بين الجانبين السوري والإسرائيلي مرهونة بموازين القوى الإقليمية وتبدلات المواقف الدولية تجاه الأزمة السورية، فالمباحثات الحالية لا تزال في إطار الاختبار، إذ يسعى كل طرف لقياس حدود الآخر دون الإعلان عن التزامات واضحة. وهذه المرحلة الانتقالية تشكل أرضية محتملة لبناء تفاهمات أوسع في حال توافر الإرادة السياسية، غير أن استمرار انعدام الثقة يجعل من الصعب تحويل هذه التفاهمات إلى اتفاق رسمي في المدى القريب.

حيث يعتمد استدامة المسار الأمني على قدرة دمشق في تحقيق توازن بين متطلبات السيادة ومصالح القوى الداعمة لها، فالحكومة السورية المؤقتة تجد نفسها أمام معادلة معقدة تجمع بين ضغوط الحلفاء ورغبة الغرب في إعادة تشكيل سوريا. فأي انحراف عن هذا التوازن قد يؤدي إلى إفشال الجهود الحالية أو إعادة تدويرها في إطار محدود، لذلك يظل التقدم بطيئًا ومحسوبًا لتجنب أي ردود فعل قد تخل بالمعادلة القائمة.

ومن الجهة المقابلة: تراقب تل أبيب التطورات بدقة وتتعامل مع الاتفاق المحتمل كأداة لتثبيت المكاسب التي حققتها ميدانيًّا خلال الأعوام الماضية. فهي لا تسعى لاتفاق سياسي شامل بقدر ما تهتم بتكريس واقع أمني يضمن استمرار الردع ومنع اقتراب خصومها من الحدود، وهذه الرؤية تجعل الاتفاق المرتقب ذا طابع تقني أكثر منه سياسي، قائم على التفاهمات الميدانية لا على الاعترافات المتبادلة أو الالتزامات القانونية.

أما موسكو، فتطمح لأن تكون فاعلاً مؤثرًا في المشهد السوري مستقبلًا؛ إذ ترى في ذلك وسيلة للحفاظ على نفوذها في الساحة السورية أمام الضغوط الغربية، كما تعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف بما يحفظ مصالحها ويمنع عودة التصعيد، وهذا الدور الوسيط يمنحها موقعًا ولو ثانويًّا في تحديد شكل الاتفاق وحدوده التنفيذية، خصوصًا في ظل غياب قنوات مباشرة بين دمشق وتل أبيب.

وخلال السنوات القادمة، من المرجح أن يتطور المسار الأمني نحو تفاهمات تدريجية تضبط التمدد الإسرائيلي. فكل طرف يدرك أن تحقيق استقرار دائم يتطلب وقتًا وتبدلاً في المعادلات الإقليمية الأوسع، ومع ذلك، يمكن أن تشهد المرحلة المقبلة خطوات جزئية، مثل تنسيق ميداني محدود أو إنشاء آليات مراقبة بإشراف أمريكي. وبهذا قد يتحول الاتفاق غير المعلن إلى واقع فعلي يُكرس توازنًا جديدًا في الجنوب السوري.

الخلاصة:

  • تُشير مجمل المؤشرات إلى أن المباحثات الأمنية بين دمشق وتل أبيب تمثل محاولة لإدارة التوتر أكثر من كونها مسارًا نحو تسوية نهائية، إذ تسعى الأطراف المنخرطة إلى تثبيت توازنات ميدانية دون الدخول في التزامات سياسية علنية، وتبدو موسكو لاعبًا ثانويًّا في المشهد كمحاولة لإعادة تشكيل دورها في الساحة السورية، فيما توظف حكومة الاحتلال الإسرائيلي هذه التفاهمات لضمان عمقها الأمني في الجولان. أما دمشق، فتنظر إلى المسار كوسيلة لتخفيف الضغوط وتحسين موقعها الإقليمي دون تقديم تنازلات جوهرية، ومع استمرار الانقسام الدولي حول الملف السوري، يبقى الاتفاق المحتمل هشًّا ومحدود الأثر، ومرهونًا بمدى استقرار البيئة الإقليمية خلال الأعوام المقبلة.

المصادر:

الجزيرة

سكاي نيوز عربية

إندبندنت عربية

اليوم السابع

مصراوي

صحيفة الخليج

الكلمات المفتاحية

الاتفاقية الأمنية السورية الإسرائيليىةالمباحثات الأمنية بين سوريا وحكومة الاحتلال الإسرائيليالدور الأمريكي في المباحثات الأمنيةخريطة النفوذ الأمنية بالجنوب السوري