الخطة المصرية في قطاع غزة.. قراءة في التحركات المصرية لمواجهة الأطماع الإسرائيلية والغربية في الإقليم ومحاولات القاهرة لوقف الحرب على غزة
ملفات خارجية

الخطة المصرية في قطاع غزة.. قراءة في التحركات المصرية لمواجهة الأطماع الإسرائيلية والغربية في الإقليم ومحاولات القاهرة لوقف الحرب على غزة
مع بَدْء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتبيُّن دوافع حكومة الاحتلال الإسرائيلي وطموحاتها الإقليمية، سارعت الدولة المصرية عبر تحركاتها الإقليمية والدولية لقطع الطريق أمام الكيان المحتل الساعي إلى تهجير سكان قطاع غزة والاستيلاء على القطاع، حيث صاغت القاهرة إستراتيجية متكاملة لتفكيك التحالف الغربي الداعم لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وطرح خطط ومبادرات لوقف العدوان الإسرائيلي، وذلك انطلاقًا من إستراتيجية الدولة المصرية وحرصها على الحفاظ على القضية الفلسطينية واستقطاب الدعم الدَّوْلِيّ للقضية وللتحركات المصرية. ورغم نجاح التحركات المصرية في التوصل إلى هدن مؤقتة، وطرح الدبلوماسية المصرية لخطة وقف الحرب وإعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه، إلى جانب الدعم الأوروبي المتزايد للتحركات والطروحات المصرية، تواجه إستراتيجية القاهرة تحديات متزايدة نتيجة الموقف الأمريكي من جهة، وتمسك حكومة الاحتلال بسياسة التهجير من جهة أخرى. فما تفاصيل الخِطَّة المصرية لوقف الحرب على قطاع غزة؟ وكيف يمكن قراءة الطروحات المصرية لإعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه؟ ماذا عن القُوَى الغربية الداعمة لإسرائيل وكيف تنظر إلى المساعي المصرية في ظل الضغوط الداخلية؟ ماذا عن الموقف الأمريكي من الطرح المصري ورؤية واشنطن لحل الصراع؟ وفي ظل الطروحات والطروحات المضادة وتعقُّد مشهد الصراع في الشرق الأوسط، كيف يمكن قراءة مستقبل الصراع في قطاع غزة؟ يسلِّط مركز "رواق" للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على التحركات المصرية لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإعادة إعمار القطاع وموقف القُوَى الغربية من الطروحات المصرية ومستقبل الصراع في قطاع غزة، في هذه السطور الآتية. تفاصيل الخِطَّة المصرية لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: تطمح الدولة المصرية من خلال سلسلة من المبادرات الدبلوماسية والسياسية، التي تتبناها القاهرة إلى صياغة إستراتيجية تتضمن الوساطة والضغط السياسي لتأمين وقف التصعيد العسكري في غزة، إذ تُعَدُّ القضية الفلسطينية -وبخاصة أزمة غزة- محورًا أساسيًا في السياسة الخارجية المصرية، حيث يُستخدم هذا الموقف كرافعة لاستقطاب الدعم الإقليمي والدولي، مع الحفاظ على استقلالية القرار المصري في مواجهة طموحات بعض القُوَى الخارجية، التي تسعى إلى توجيه مجريات الأحداث بما يخدم مصالحها الإستراتيجية. ولذا طرحت الدولة المصرية خِطَّة شاملة تهدف إلى وضع حد فوري للأعمال العدائية في قطاع غزة وتوفير أساس للسلام وإعادة الإعمار على المدى المتوسط والطويل، حيث تعتمد الخِطَّة المصرية على ركيزتين رئيسيتين (القاهرة الإخبارية): الأولى: وقف فوري لإطلاق النار يشمل جميع الأطراف المعنية. والثانية: حُزْمَة متكاملة من الإجراءات الإنسانية والاقتصادية والسياسية، التي تهدف إلى إعادة بناء القطاع وضمان استقرار المنطقة؛ حيث وضعت القاهرة عدة منطلقات للتعامل مع الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، الناتجة عن عام وسبعة أشهر من الحرب الإسرائيلية على سكان القطاع، وهي على النحو الآتي: أولًا: وقف إطلاق النار والإجراءات الأمنية: تركز الخِطَّة المصرية على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار من كلا الطرفين، إذ يُطالب الطرف الإسرائيلي بإنهاء العمليات العسكرية والعدوان على غزة، في حين يُحَثُّ الفصائل الفلسطينية على التزام الهدوء لمنع تصعيد النزاع. وتتضمن هذه المحورية جدولًا زمنيًّا يبدأ بتطبيق وقف فوري خلال ثمانٍ وأربعين ساعة كبادرة ثقة، يليه تمديد للفترة التجريبية بناءً على مراقبة دَوْلِيَّة دقيقة، لضمان عدم العودة إلى التصعيد. كما يُقترح إنشاء آلية مراقبة مشتركة تشمل خبراء دَوْلِيِّين ومسؤولين مصريين لتطبيق الاتفاق ورصد أي خروقات. ثانيًا: تأمين الممرات الإنسانية وإزالة الحواجز: ضمن إطار وقف إطلاق النار، تؤكد الخِطَّة المصرية على ضرورة فتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية والمواد الأساسية لدخول غزة، ويشمل ذلك رفع الحصار المفروض على القطاع لتسهيل وصول الإمدادات الغذائية والطبية والوقود، مع إقامة آلية دَوْلِيَّة لرصد مرور المساعدات والتأكد من وصولها مباشرة إلى المدن والمناطق الأكثر تضررًا. ويأتي هذا الجانب في الخِطَّة المصرية لضمان الحد من معاناة المدنيين وتقديم المساعدة الفورية عقب توقف الأعمال العدائية (الدستور). ثالثًا: إعادة إعمار القطاع واستعادة الخَدَمَات الأساسية: إذ لا يقتصر مقترح مصر على إنهاء العنف فحسب، بل يتضمن أيضًا خِطَّة لإعادة إعمار غزة تُعَدُّ بمثابة خارطة طريق لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، واستعادة الخَدَمَات الحيوية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية. وتشير التقارير الإعلامية إلى تخصيص موارد مالية كبيرة وتفعيل شراكات مع جهات دَوْلِيَّة ومنظمات إنسانية، لتوجيه استثمارات إعادة الإعمار، بما يتيح للقطاع بَدْء مرحلة جديدة تخرج به من دائرة الدمار، وتُعيد له قدرته على الاعتماد الذاتي وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. رابعًا: الضمانات الدَوْلِيَّة وآلية المتابعة: تؤكد الخِطَّة على أهمية الدعم الدَّوْلِيّ والإقليمي لإنجاح وقف إطلاق النار وتنفيذ مراحل إعادة الإعمار، إذ تُقترح آلية متابعة تشمل مفوضية أممية أو هيئة دَوْلِيَّة خاصة لمراقبة تنفيذ الاتفاق، والتعامل مع أي انتهاكات قد تظهر على الأرض. كما تستوجب الخِطَّة تقديم ضمانات أمنية للطرفين، بحيث يتم تأمين حواجز تَحُول دون حدوث تحديات أمنية مستقبلية، مما يسهم في بناء ثقة متبادلة تؤدي إلى حِوَار سياسي شامل لإنهاء جذور النزاع. خامسًا: توازن المصالح الإقليمية والدَوْلِيَّة: تنظر مصر إلى هذه الخِطَّة كخطوة إستراتيجية تهدف إلى إعادة رسم معادلات القوة والأمن في المنطقة، فهي تسعى من خلالها إلى تحييد الضغوط الإسرائيلية والغربية، وإعادة تأكيد موقف القضية الفلسطينية على نطاق أوسع، مع الاستفادة من موقفها التاريخي كوسيط قادر على جمع الأطراف تحت مظلة واحدة للحوار والحل السياسي. وهذا التوازن يُعَدُّ عاملًا حاسمًا لنجاح أي عملية تهدئة دائمة في المنطقة، كما يعكس التزام مصر بمبدأ العدالة والاستقرار الإقليمي. وتعكس نِقَاط الخِطَّة المصرية سعي القاهرة لقطع الطريق أمام مخطط الولايات المتحدة وإسرائيل لتهجير سكان قطاع غزة، خاصة عقب لقاء الملك عبد الله الأُرْدُنِيّ والرئيس ترامب الأمريكي في البيت الأبيض في فبراير 2025م، ومحاولات الإدارة الأمريكية ممارسة ضغوط على الدولة المصرية والأردن والدول العربية، للدفع باتجاه تحقيق المخطط الإسرائيلي والأمريكي لتهجير سكان قطاع غزة؛ إذ إن الخِطَّة المصرية تعكس تمسك الدولة المصرية بثوابت القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. أطروحات الدولة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه: تعتمد مقترحات الدولة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه على رؤية شاملة لاستعادة البنية التحتية والخَدَمَات الأساسية في القطاع، دون المساس بوجوده الاجتماعي والثقافي. ففي هذه الأطروحات تُركز الخِطَّة المصرية على إعادة بناء المساكن والمرافق الحيوية كالمستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء، مع إدراج آليات للمشاركة المجتمعية لأهالي القطاع تضمن أن يكون للسكان دور في التخطيط والتنفيذ (روسيا اليوم). وتُعَدُّ هذه المقاربة خطوة حاسمة في مواجهة الطروحات الإسرائيلية والأمريكية الساعية إلى تهجير سكان القطاع بحجة إعادة الإعمار؛ ولذا فإن الخِطَّة المصرية تعزز استقرار القطاع وتحافظ على النسيج الاجتماعي الذي يُشكِّل الهُوِيَّة الفلسطينية الأصلية، كما تسعى الخِطَّة إلى استقطاب الاستثمارات الدَوْلِيَّة والإقليمية، بالتنسيق مع شركاء عرب ودَوْلِيِّين، لتأمين الدعم المالي والتقني اللازم لإعادة الإعمار. وقد أشارت وسائل إعلام عربية وعالمية مختلفة إلى أن المشروع سيتبنَّى معايير حديثة في البناء والتنمية المستدامة، ويهدف إلى دمج التجديد الحضري مع الحفاظ على البُنَى القائمة دون استبدالها بواجهات جديدة تُحرِم السكان من حقوقهم الأساسية. وتضمن هذه المبادرة أيضًا ضرورة تطبيق آليات رقابية ومشاركة فَعَّالة من المجتمع المدني الفلسطيني، لضمان الشفافية وتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع المنافع من الناحية الإستراتيجية. ويعكس هذا النهج المصري حرصه على تقديم نموذج إعمار يتفادى أخطاء التجارب السابقة، حيث كان التهجير عنصرًا محوريًّا أثار الكثير من الجدل في سياقات أخرى؛ إذ تُعَدُّ هذه المقترحات جزءًا من الجهود المبذولة لتحسين الأوضاع الإنسانية والأمنية في غزة، بما يساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي وتعزيز الدور الفاعل للدولة المصرية في دعم القضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة (الشرق الأوسط). ويمكن القول: إن الخِطَّة المصرية تُعَدُّ مقترحًا متكاملًا يجمع بين الإجراءات العاجلة لوقف العنف والإطار الإستراتيجي لإعادة بناء غزة، معتمدًا على آليات مراقبة دَوْلِيَّة وضمانات أمنية وسياسية تهدف إلى خلق مناخ يسمح بالحوار السياسي الشامل، مع الإشارة إلى أن بنود هذه الخِطَّة المصرية لا تزال تخضع للتعديلات والمفاوضات في ضوء التطورات الميدانية والدبلوماسية والتنسيق مع المحيط العربي والشركاء الإقليميين والدَوْلِيِّين لمصر، إلا أنها تمثل خطوة محورية من قبل القاهرة في سعيها لإرساء أسس السلام في الشرق الأوسط. القُوَى الغربية وردود الفعل على الخِطَّة المصرية: أظهرت ردود الفعل الفلسطينية والعربية ترحيبًا يعكس الدعم الإقليمي لخطة القاهرة لحل الأزمة. ففي الأوساط الفلسطينية، عبرت بعض القيادات والجهات الرسمية في الضفة الغربية عن ترحيبها بالمبادرة باعتبارها خطوة مؤقتة لوقف التصعيد المسلح وتخفيف معاناة المدنيين، حيث ترى القيادة الفلسطينية أن أي هدنة مؤقتة قد تُفْتِح المجال لاحقًا لنقاشات أوسع حول الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، حتى وإن كانت الخِطَّة لا تتضمن ضمانات شاملة لإنهاء الاحتلال. وعلى الصعيد العربي العام، انقسمت الآراء بين من يرى في المبادرة المصرية جهدًا رصينًا لإعادة ترتيب معادلات القوة الإقليمية وتعزيز الوحدة العربية في مواجهة السياسات الإسرائيلية والغربية، وبين من يبدي حذرًا من أنها قد تُستخدم كآلية لتهدئة الموجات الاحتجاجية دون معالجة جذور الأزمة. فقد أعرب عدد من المسؤولين والخبراء العرب عن إعجابهم بمبادرة القاهرة، لما تحمله من دلالة على تحمل مسؤولية قيادية في المنطقة، فيما شددت بعض الأصوات على ضرورة ألا تُستغل هذه الخطوة لإضفاء شرعية على استمرار السياسات التي أدت إلى الأزمة، بل يجب أن تُرافقها إصلاحات سياسية حقيقية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني بشكل دائم (بي بي سي عربي). في حين مثَّل موقف القُوَى الغربية الداعمة لإسرائيل، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من المبادرة المصرية، انتصارًا للدبلوماسية المصرية ونجاحًا لتحركات الدولة المصرية في تفكيك الحلف الذي أنشأه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في أكتوبر 2023م الداعم للحرب الإسرائيلية على القطاع؛ حيث أبدت واشنطن تصريحًا إيجابيًا داعمًا لموقف القاهرة، معتبرةً أن دور مصر الوسيط الحاسم يمكن أن يُفْضِي إلى تخفيض التوتر داخل المنطقة، إذا ما رافقته آليات رقابية دَوْلِيَّة تضمن التنفيذ الفعلي لوقف إطلاق النار. ومن ناحيتها، أعربت مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن ترحيبها بالمبادرة شرط أن تُضَمَّن في الاتفاق عناصر تضمن استمرارية الدعم الإنساني وإعادة الإعمار للفئات المتضررة في غزة، مع التأكيد على ضرورة معالجة أصول الصراع بشكل دقيق لتفادي أي توقف مؤقت دون حلول جذرية للصراع وموجات العنف والتصعيد التي شهدها القطاع طيلة العقود الماضية. كما علقت منظمات الأمم المتحدة والجهات المعنية بحقوق الإنسان، بأن المبادرة تحمل آفاقًا مهمة إذا ما تم تطبيقها وفق جدول زمني واضح يشمل مراحل مراقبة دَوْلِيَّة لضمان وقف التصعيد ومنع أي انتهاكات فيما بعد الاتفاق؛ إلا أن هذه الجهات شددت على الحذر في حال تحول الاتفاق إلى وسيلة لتهدئة الأزمة بصورة سطحية، دون معالجة جذور النزاع السياسي والحقوقي التي طالما شكلت عائقًا أمام تحقيق السلام الدائم (فرنسا 24). ويتضح بذلك من التفاعل الدولي: أن هناك أملًا مشروطًا في نجاح المبادرة، إذ تُعَدُّ مصر لاعبًا إقليميًا ذا خبرة في الوساطة، ولكن نجاح أي جهد دبلوماسي يعتمد بشكل كبير على مدى التزام جميع الأطراف المعنية بمعايير حقوق الإنسان والشفافية، وعلى قدرة المجتمع الدَّوْلِيّ في تأمين المتابعة والمساءلة؛ هذا التباين يُظهر أن التحول من وقف مؤقت للأعمال العدائية إلى تحقيق سلام دائم يحتاج إلى دعم دَوْلِيّ متكامل يضم قنوات مراقبة مستقلة وورش عمل تبادلية لترسيم آفاق الحل السلمي. من واقع هذه الردود: يبدو أن المجتمع الدولي يراقب عن كثب تطوير آليات التنفيذ والجدول الزمني للمبادرة؛ إذ يُؤمَل أن تُثمر هذه الخطوة عن نتائج ملموسة تقود إلى استقرار الإقليم على المدى المتوسط والطويل. وفي ظل التعنت الإسرائيلي وإصرار حكومة الاحتلال على مواصلة الحرب، تعمل الدولة المصرية عبر مبادرتها وخطتها إلى الضغط على القُوَى الغربية الداعمة لإسرائيل، منطلقة في ذلك من القمم المصرية الغربية وجولات الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" في الدول الأوروبية للضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي. الضغوط الشعبية الغربية لوقف دعم حكومة الاحتلال الإسرائيلي: استطاعت الدولة المصرية الاستفادة من الامتعاض الشعبي الغربي المتزايد، والاحتجاجات المستمرة في الشارع الغربي، في تحركاتها الدبلوماسية لتفكيك الحلف الغربي الداعم لإسرائيل؛ إذ تجلى الامتعاض الشعبي الغربي بصورة واضحة ومتعددة الجوانب، حيث أصبح يُعَبَّر عنه في الشوارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، كرد فعل ضد السياسات الحكومية التي تدعم إسرائيل في حربها على غزة. ويعتبر الكثير من الناشطين والمواطنين أن هذا الدعم يتجاهل الجوانب الإنسانية ويُعَدُّ نتيجة ضغوط سياسية واقتصادية مرتبطة بمصالح إستراتيجية بعيدة عن العدالة ومعاناة المدنيين في القطاع. ففي العديد من المدن الأوروبية والأمريكية الشَّمالية، اندلعت احتجاجات سلمية شملت تنظيم مسيرات ومظاهرات لمطالبة حكوماتهم بإعادة النظر في مواقفها الخارجية. حيث يطالب المحتجون بتحويل السياسات العسكرية إلى توجه إنساني يراعي حقوق الشعب الفلسطيني (الجزيرة). وقد تصاعدت الحملات الرقمية العالية على إكس وفيسبوك وإنستغرام، مع استخدام هاشتاجات دعت إلى "وقف الدعم للإسرائيليين" ونقلت صورًا توثق معاناة المدنيين، مما أسهم في تعزيز الشعور العام بأن النظم السياسية لا تُعَبِّر عن الإرادة الحقيقية للشعب. ومن جهة أخرى، نشرت بعض وسائل الإعلام الغربية تقارير تحليلية تُبرز الفجوة المتزايدة بين التصريحات الرسمية والسياسات الفعلية، وبين توقعات المواطنين الذين يرون أن دعم حكوماتهم لإسرائيل يتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. وقد أدَّت هذه التقارير، إلى جانب تصريحات مسؤولين من منظمات حقوقية، إلى توسيع دائرة النقاش حول مدى تأثير مواقف الحكومة على صورة الدول الغربية أمام المجتمع الدَّوْلِيّ. الأمر الذي يشكل ضغطًا إضافيًا على صانعي السياسات لإعادة تقييم إستراتيجياتهم. واستطاعت الدبلوماسية المصرية الاستفادة من ذلك التحرك الجماهيري للحد من الدعم الغربي لإسرائيل، فجولات الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في أوروبا التي أعقبت موجات الحراك الجماهيري والشعبي في الشارع الغربي، والقمة المصرية الإسبانية والدنماركية والنرويجية واليونانية، نجحت في استقطاب دعم غربي للموقف المصري. الموقف الأمريكي من الطرح المصري ورؤية واشنطن لحل الصراع: فيما يتعلق بالموقف الأمريكي من الطروحات المصرية وتحركات القاهرة، ففي ظل التعنت الإسرائيلي الحالي وتمسك حكومة الاحتلال بتهجير الفلسطينيين واحتلال القطاع، فإن الإدارة الأمريكية الحالية باتت تميل أكثر إلى مصالحها وشراكاتها الاقتصادية والإستراتيجية مع الدول العربية، رغم تأثير جماعات الضغط الصهيونية، مثل "منظمة إيباك"، على القرار السياسي الأمريكي. حيث إن الموقف الأمريكي يميل إلى دعم أي مبادرة تهدف إلى وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مع تمسك الولايات المتحدة بحماية الأمن القومي الإسرائيلي وتوفير آليات رقابية تضمن عدم استخدام الهدنة لإعادة تسليح فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة (بي بي سي عربي)، ففي الوقت الذي يرى فيه جانب من المسؤولين في واشنطن أن دور مصر الوسيط قد يخفف من معاناة المدنيين ويشكل فرصة لإنهاء المواجهات الدموية، فإن السياسة الأمريكية التي طالما اعتمدت على دعم إسرائيل عسكريًّا وسياسيًّا تتطلب أيضًا شروطًا أمنية ملموسة لا تقبل التنازل عن حماية إسرائيل. وعلى صعيد إعادة إعمار قطاع غزة، ينظر المسؤولون الأمريكيون إلى ضرورة أن تكون أي عملية إعادة إعمار مرتبطة بآليات رَقَابة دَوْلِيَّة دقيقة، تضمن للولايات المتحدة ولحكومة الاحتلال الإسرائيلي عدم تحول المساعدات إلى وسيلة لتقوية القدرات العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية. وفي هذا السياق يركز الأمريكيون على ضرورة ربط جهود الإعمار بتحقيق هدنة دائمة، بحيث تشكل المرحلة الإنسانية جسرًا نحو مفاوضات سياسية شاملة تعالج جذور النزاع بشكل جدي ومتوازن. أما فيما يتعلق برؤية واشنطن لحل الصراع، فإنها تتمحور حول ضرورة إعادة مساعي السلام على أسس شاملة، ترتكز على تحقيق وقف دائم للأعمال العدائية وتقديم ضمانات أمنية متبادلة. فالولايات المتحدة تؤكد في خطابها الدبلوماسي على أن الحل السياسي المستدام يجب أن يتضمن آلية واضحة للتفاوض حول مستقبل الأراضي وقضايا اللاجئين والأمن الإقليمي، ما يترجم إلى دعم لمبادرات الوساطة التي تهدف إلى إيجاد حل مليء بالثقة بين الطرفين، رغم أن التوجه الرسمي يظل مشروطًا بتأمين الحماية الكاملة لإسرائيل. وبشكل عام، يُنظر إلى الطرح المصري على أنه خطوة إستراتيجية تضطلع بدور الوسيط في إزالة العوائق المؤقتة التي قد تدفع الأطراف إلى العودة إلى المواجهة العسكرية، لكن الدعم الأمريكي لهذه المبادرة لن يكون مطلقًا، إذ سيظل مشروطًا بتطبيق شروط صارمة تتعلق بالأمن والشفافية، فضلًا عن ضرورة أن يكون إيقاف الصراع العسكري جزءًا من مسار أطول للوصول إلى تسوية سلمية شاملة تعالج قضايا النزاع الجذرية. مستقبل الصراع في ظل الطروحات المصرية والطروحات المضادة وتراجع الدعم الغربي لإسرائيل: في ظل المشهد الحالي والطروحات المصرية والتحولات في المواقف الأوروبية، يتضح أن مستقبل الصراع في قطاع غزة يحمل في طياته العديد من السيناريوهات المتنافسة. إذ تُشكِّل الطروحات المصرية، التي تتضمن وقف إطلاق النار، وترتيبات إنسانية لإعادة الإعمار، وآليات لمراقبة التنفيذ، محاولة جدية لإعادة رسم معادلات النزاع وتخفيف وتيرة التصعيد. إذ تُعَدُّ هذه المبادرات جسرًا نحو تحول سياسي محتمل إذا ما رافقها ليونة في الوقف الإسرائيلي وليونة مماثلة من قبل حماس، وهو تحدٍ كبير نظرًا إلى تعدد المطالب والضغوط الداخلية والخارجية على كلا الجانبين. في المقابل: تظهر الطروحات المضادة ردود فعل متباينة، حيث ترفض بعض الفصائل الفلسطينية أو الحكومة الإسرائيلية ما يُرَى منهم تنازلات قد تُضعف مواقفهم القومية والأمنية. فمن ناحية، تؤكد هذه الأطراف على ضرورة الحفاظ على الأمن القومي وعدم السماح بفتح المجال لإعادة تسليح فصائل المقاومة. ومن ناحية أخرى، يُعَدُّ النقد الموجه للمبادرات المصرية بمثابة رفض لطرائق التهدئة التي لا تعالج جذور النزاع بعمق، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة. علاوة على ذلك: قد يؤدي تراجع الدعم الغربي لإسرائيل إلى إعادة ترتيب الموازين الدبلوماسية في الشرق الأوسط. فمع ازدياد الضغط الشعبي في الدول الغربية لإعادة النظر في سياساتها الخارجية، قد تجد إسرائيل نفسها مضطرة لمراجعة إستراتيجياتها الأمنية والدبلوماسية. وفي هذا السياق، يُمكن أن يفتح التراجع الغربي مجالًا أمام قوى إقليمية أخرى، مثل مبادرة القاهرة، لتكون لها سلطة تفاوضية أكبر، وهو ما قد يغير بالتالي ديناميات الصراع ويُمهد الطريق لتسوية تفاوضية أكثر شمولًا على المدى الطويل. الخلاصة: تتجاوز التحركات المصرية وخطة القاهرة لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حدود ردود الفعل العاجلة والتقليدية على صراع إقليمي مجاور لقوى إقليمية، بل تحولت التحركات المصرية إلى إطار شامل يعكس رؤية مصر في حماية سيادتها الإقليمية، والوفاء بالتزاماتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما يضعها في موقع قيادي يسهم في شكل من أشكال إعادة رسم مستقبل الشرق الأوسط. كما تدعو هذه التحركات إلى قراءة تحليلية موسعة، تتناول كيف يمكن للدبلوماسية المصرية أن تُعيد صياغة معادلات القوة في العقد القادم، في ظل ضغوط المنافسة بين الأطراف الإقليمية والدَوْلِيَّة. وفي ظل التعنت الإسرائيلي وتراجع الدعم الغربي لحكومة نتنياهو، فإن مستقبل الصراع في غزة سيعتمد بشكل كبير على قدرة الأطراف المعنية على تحقيق توازن بين مطالب الأمن والسيادة والحقوق الإنسانية، وعلى فعالية آليات المتابعة الدولية لتنفيذ أي اتفاق محتمل. المصادر: القاهرة الإخبارية الدستور روسيا اليوم الشرق الأوسط بي بي سي عربي فرنسا 24 الجزيرة الكلمات المفتاحية: المبادرة المصرية لوقف الحرب على غزة – التحركات المصرية لتفكيك الحلف الغربي – التظاهرات الشعبية في الدول الغربية – الدبلوماسية المصرية في ظل حرب غزةالكلمات المفتاحية
المبادرة المصرية لوقف الحرب على غزةالتحركات المصرية لتفكيك الحلف الغربيالتظاهرات الشعبية في الدول الغربيةالدبلوماسية المصرية في ظل حرب غزة