الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.. قراءة في أهداف المشروع وتحديات التنفيذ

دولية (اقتصادية)
الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.. قراءة في أهداف المشروع وتحديات التنفيذ
١٣ دقيقةللقراءة
تاريخ النشر: ١٠ نوفمبر ٢٠٢٥

في إطار إستراتيجيَّتها ورؤيتها الشاملة والمستقبليَّة؛ تخطط الصين لتوسيع دائرة نفوذها الإقليمي، انطلاقًا من مشروع الحزام والطريق والمشروعات المتفرعة عنه؛ حيث يبرز مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، والذي يُعدُّ أحد أكبر المشروعات في منطقة جَنُوب آسيا، ويهدف إلى تحسين البنية التحتية الباكستانية وتعميق العلاقات الاقتصاديَّة والسياسيَّة بين الصين وباكستان؛ ولذا يُعدُّ المشروع نقطة تحول في إقليم جَنُوب آسيا ويفتح الطريق أمام تعاون إقليمي أوسع، ومع مشهد التنافس الدَّوْليّ بين القوى الأسيوية (الصين والهند وباكستان) والقوى الغربيَّة (الولايات المتحدة)، تبرز تحديات وإشكاليات عدة تواجه الطموح الصيني الباكستاني المشترك لتحقيق المشروع، وتطرح تساؤلات حول جدية التنفيذ.

فَمَا تفاصيل مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني؟ وما أبعاد ودوافع المشروع المشترك بين بكين وإسلام أباد؟ ماذا عن التحديات المشتركة في ظل الصراع الغربي الصيني؟ وفي ظل الترقب الهندي كيف يمكن قراءة مشهد الصراع بين القوى الأسيوية في المشروع الصيني الباكستاني الطموح؟ ماذا عن مستقبل المشروع في ظل التطورات الحالية؟

يسلط مركز "رواق" للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على؛ مشروع الممر الصيني الباكستاني الاقتصادي في جَنُوب آسيا وأهدافه الاقتصاديَّة وتحدياته التمويليَّة في ظل التنافس الدَّوْليّ في جنوب آسيا؛ في هذه السطور الآتية.

تفاصيل مشروع الممر الصيني الباكستاني الاقتصادي في جَنُوب آسيا:

منذ إطلاق الصين مبادرتها الطموحة "الحزام والطريق" عام 2013م، والتي تطمح بكين من خلالها إلى ربط دول العالم بعضها ببعض عبر شبكة من الطرق البرية والسكك الحديد والموانئ وخطوط أنابيب النفط والممرات البحرية وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تمر بالصين و65 بلدًا آخر.

برز مع المشروع العملاق، مشروعات أخرى متفرعة عنه؛ مثل الممر الاقتصادي في باكستان والذي يُعدُّ مشروعًا اقتصاديًّا صينيًّا ضخمًا يضم عددًا من مشاريع البِنَى التحتية في باكستان، لعل أبرزها إنشاء طريق بري يربط بين مدينة كاشغر في الصين وميناء جوادر الباكستاني؛ وكانت فكرة الممر عبارة عن خِطَّة مشتركة للرئيس الباكستاني آنذاك "آصف علي زرداري" والصين، وهي عبارة عن مجموعة من مشاريع البنية التحتية قيد الإنشاء في جميع أنحاء باكستان منذ عام 2013م.

 والتي بلغت قيمتها في الأصل 47 مليار دولار، وتبلغ قيمة مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني المتفرعة عن المشروع أكثر من 70 مليار دولار اعتبارًا من عام 2020م؛ وتهدف الصين عبر مشروع الممر الاقتصادي الباكستاني إلى تطوير البنية التحتية المطلوبة في باكستان بسرعة، وتعزيز اقتصادها من خلال بناء شبكات النقل الحديثة والعديد من مشاريع الطاقة والمناطق الاقتصاديَّة الخاصة. (سكاي نيوز عربية)

ففي 13 نوفمبر 2016م، أصبح الممر جاهزًا للعمل جزئيًّا، عندما تم نقل البضائع الصينية برًّا إلى ميناء جوادر لشحنها البحري إلى مواني شرق إفريقيا وغرب آسيا؛ بينما تم التكليف ببعض مشاريع الطاقة الكبرى في أواخر عام 2017م، ويعتبر هذا الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان مفيدًا لإسلام أباد، إلا أنه يحمل أيضًا فوائد اقتصاديَّة وإستراتيجيَّة كبيرة بالنسبة للصين؛ إذ تتضح أهميتها بالنسبة للصين من حقيقة أنها جزء من خِطَّة التنمية الخمسية الثالثة عشرة للصين.

وسيعزز الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني العلاقات بين البلدين، الذين يشتركان في تاريخ من العلاقات الإستراتيجيَّة المتجانسة؛ عبر مجموعة متنوعة من المصالح المشتركة التي تمتد على مدى ستة عقود، وفي السنوات 56 الماضية، قام كلا البلدين بتطوير التعاون التجاري والاقتصادي بشكل قوي، وبالتالي فليس مفاجئًا إدراج الصين باكستان ضمن إستراتيجيَّتها لتنمية إقليم جَنُوب آسيا.

حيث تُعدُّ الصين الشريك التجاري الأكبر لباكستان على مستوى الواردات والصادرات؛ إذ يذهب الممر إلى أبعد من ذلك، لتعزيز التعاون الاقتصادي المربح بين البلدين، وإذا تم إنجاز هذه الخِطَّة، فإنها ستكون مصدر فخر للصين في برامجها الخاصة بالتنمية الاقتصاديَّة مع دولة أخرى حتى الآن؛ ومن شأن هذا المشروع أن يوفر نحو 77 ألف وظيفة جديدة، ويضيف نحو 2.5% لمعدل النمو الاقتصادي لباكستان. (المرصد المصري)

فللممر الاقتصادي الصيني الباكستاني أهمية اقتصاديَّة وإستراتيجيَّة لا يمكن إنكارها لباكستان والصين؛ إذ سيربط الصين بالعديد من الأسواق في وَسْط وجنوب آسيا، ويفتح الطريق البحري أمام إقليم الخليج والشرق الأوسط، فالصين تقع حاليًّا على بعد حوالي 13 ألف كيلومتر من الخليج العربي مع مدة شحن يبلغ حوالي 45 يومًا، ولذا ترى الصين في الممر والذي سيقلل وقت الشحن إلى 10 أيام، وسيلة جديدة لتعزيز تنافسية منتجاتها وسرعة أكبر في الوصول إلى الأسواق.

أبعاد ودوافع المشروع المشترك بين بكين وإسلام أباد:

يُعدُّ مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، أحد أولويات بكين في إقليم جَنُوب آسيا؛ فهو ليس مجرد شبكة طرق وبنى تحتية اقتصاديَّة فحسب، بل يمتد أثره إلى ميدان الجغرافيا السياسيَّة والأمنيَّة في منطقة جَنُوب آسيا والشرق الأوسط وبحر العرب، وفي ظل الصراع المتزايد بين بكين وواشنطن؛ تتداخل الأبعاد الإستراتيجيَّة لهذا المشروع.

فعلى الصعيد الجيوسياسي والإستراتيجي: تطمح بكين إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من الناحية الجيوسياسيَّة، إذ يُعدُّ المشروع أداة إستراتيجيَّة لتوسيع النفوذ الصيني عبر بناء شبكة علاقات قوية في منطقة جَنُوب آسيا والشرق الأوسط، حيث يوفر الممر طرقًا بديلة لتأمين المتطلبات الطاقيَّة والتجاريَّة للصين، مما يقلل من تبعيتها للممرات البحرية الحيوية مثل مضيق ملقا.

ويرى مراقبون: أن التحولات الجيوسياسيَّة تجعل المشروع يشكل تحديًا لإستراتيجيَّة واشنطن في إقليم جَنُوب آسيا، والتي تسعى للحفاظ على توازن القِوَى في المنطقة، إذ إنه يُمثل نموذجًا للتعاون الثنائي الذي يوسع من أذرع الصين في محيطها الجغرافي على حساب النفوذ التقليدي للولايات المتحدة، مما يزيد من حدة المنافسة الإستراتيجيَّة بين القوتين.

وعلى صعيد الأمن والطاقة؛ فمن خلال تأمين ممر نقل الطاقة والاستثمارات في المجالات الدفاعيَّة، يساهم المشروع في تعزيز القدرات الأمنيَّة لدول المنطقة، كما يمنح الصين إمكانية الوصول إلى موارد الطاقة بطريقة أكثر أمانًا واستقرارًا، مما يتيح لها مواجهة احتمال تطورات في السياسات الأمريكية التي قد تسعى لإعاقة مشروع الحزام والطريق ومثيلاته.

ويبرز البعد الدبلوماسي والتأثير على النظام الدَّوْليّ، من خلال بناء تحالفات إقليميَّة؛ حيث يعزز المشروع العلاقات بين الصين وباكستان، إذ تُعدُّ باكستان شريكًا إستراتيجيًّا في تنفيذ مشاريع ضخمة داخل بيئة غير مستقرة سياسيًّا، وفي الوقت ذاته؛ فإن نجاح المشروع قد يدفع دولًا أخرى في المنطقة إلى إعادة النظر في إستراتيجيَّاتها الدبلوماسيَّة وموازين تحالفاتها، ما يتطلب من واشنطن إعادة تقييم سياساتها الإقليميَّة.

كما تستغل الصين إستراتيجيَّتها وتحركاتها الاقتصاديَّة، كوسيلة لنشر نموذجها في إدارة التنمية، سواء من خلال آليات القروض أو الشراكات الإستراتيجيَّة، ما يُشكل تحديًا للنموذج الغربي الذي تقدمه الولايات المتحدة لبلدان الشركاء الاقتصاديين، وهذا الأمر يُحدث انقسامًا في النظام الدَّوْليّ حول كيفية تأمين طرق التجارة الطاقيَّة والتجاريَّة الرئيسية.

تحديات تنفيذ مشروع الممر الصيني الباكستاني في ظل الأوضاع الاقتصاديَّة الباكستانيَّة:

خلال السنوات الأخيرة، عانى المشروع الصيني الباكستاني العملاق من بطء في التنفيذ وأزمات تمويليَّة وفساد إداري، مع تدهور الوضع الأمني في باكستان؛ فمنذ الإعلان عن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، أبدت الدول الغربيَّة، وفي طليعتها الولايات المتحدة، والهند بصفتها الحليف الرئيسي للغرب والعدو اللدود لباكستان، معارضتها للمشروع؛ ووصفه الكثير من المشرعين الأمريكيين بأنه "مصيدة ديون" صينية، وحذَّروا مرارًا وتكرارًا من أنهم لا يرغبون في رؤية باكستان تسدد القروض الصينية بواسطة أموال من صندوق النقد الدَّوْليّ. (مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجيَّة).

فرغم المصالح المشتركة لكل من الصين وباكستان، في تنفيذ المشروع؛ إلا أنه لا يخفى على أحد أن الصينيين أعربوا عن خيبتهم مرارًا وتكرارًا حيال الإشكاليات المتعددة التي واجهها مشروع الممر الاقتصادي في باكستان، ففي عام 2019م؛ وخلال ولاية رئيس الوزراء "عمران خان"، أفادت صحيفة ديلي ميل بأن باكستان كشفت لصندوق النقد الدَّوْليّ تفاصيل الاتفاقات الصينية السرية، ويعتقد البعض أن ذلك أدى إلى زعزعة الثقة بين البلدين. (العربي الجديد).

والأهم هو أن الهجمات الإرهابيَّة المتكررة على الصينيين العاملين على مشروع الممر في باكستان، أصبحت مصدر قلق كبير بالنسبة للصين؛ وبينما تقترب باكستان من الوقوع في هوة الإفلاس مجددًا، زار رئيس الوزراء الباكستاني "شهباز شريف" الصين في يونيو 2024م، وأعلنت الدولتان خلال الزيارة عن خطط لتطوير الممر الاقتصادي ومباشرة المرحلة الثانية من المشروع.

على الرغم من ذلك؛ يرى مراقبون أن الزيارة لم تكن مرتبطة بمشروع الممر الاقتصادي بقدر ما كانت مرتبطة بالنداء اليائس من جانب باكستان للحصول على الأموال، وذلك على شكل استثمارات صينية جديدة في مشاريع مرتبطة بالممر الاقتصادي، فضلًا عن إعادة جدولة ديون باكستان البالغة 15 مليار دولار والمستحقة للصين في مجال الطاقة.

إذ ترى القِوَى الغربيَّة: أن الصين تنتهج إستراتيجيَّة "فخ الديون" في إخضاع دول الجوار، عبر عروض استثماريَّة وشراكات اقتصاديَّة وتنمويَّة ضخمة، تعجز دول الجوار والدول الواقعة على مسار مبادرة الحزام والطريق، من الإيفاء بالتزاماتها الماليَّة والتمويليَّة اتجاه تلك المشروعات؛ ومن ثم، تبرز المساومة والتي تمكن بكين من توسيع نفوذها في البلدان المجاورة من بوابة الديون.

في حين أن الصين: تؤكد على الطابع الاستثماري التشاركي في المشروعات المشتركة مع دول الجوار وبلدان الحزام والطريق، فالحكومة الباكستانية أشارت إلى أن قرابة 80% من استثمارات الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، عبارة عن استثمارات مباشرة أو شراكات بين القطاعين العام والخاص، وليست قروضًا.

فعلى سبيل المثال: مشروع ميناء جوادار تموله الصين عبر منح وشراكات طويلة الأجل، كما وأن بعض المشاريع مثل محطات الطاقة، تمول عبر قروض بفوائد تتراوح بين 2-3%، وهي أقل من أسعار السوق الدوليَّة مثل قروض صندوق النقد الدولي التي تصل فوائدها إلى 7% وعند المقارنة بحالة سريلانكا، والتي غالبًا ما تُستشهد بها كـ"فخ ديون"؛ إذ اضطرت سريلانكا لتأجير الميناء للصين لمدة 99 عامًا بسبب عجزها عن السداد. (اندبندنت عربية).

لكن الوضع في باكستان يختلف حيث لم تفقد باكستان السيطرة على أي أصول إستراتيجيَّة مثل جوادار حتى الآن؛ كما وتمثل ديون الصين حوالي 10% من إجمالي ديون باكستان الخارجيَّة، مقارنة بـ 30% لصندوق النقد الدَّوْليّ والدول الغربيَّة، ولذا؛ يبدو أن المخاوف الغربيَّة تنطلق من طبيعة الصراع الغربي الصيني في ظل الحرب الباردة الجديدة.

إذ إن طموح بكين بالهيمنة العالميَّة على مشروعات البنية التحتية، يشكل تحديًا جوهريًّا أمام الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين؛ ولذا تُستخدم عبارة "فخ الديون" كجزء من الحرب الإعلاميَّة ضد الصين لتعطيل مشاريع مثل الحزام والطريق والمشروعات المتفرعة عنه، خاصة مع اقترابها من الحدود الهنديَّة؛ كما وتبرز التقارير الغربيَّة ديون باكستان للصين، وتتجاهل أن الدول الغربيَّة واليابان تمتلك حصصًا أكبر في ديون العالم النامي.

وبالنظر إلى تعامل بكين مع مخاطر ديون البلدان النامية؛ فقد وافقت الصين عام 2022م، على تجديد آجال سداد 2.4 مليار دولار من ديون باكستان، وهو ما يُنظر إليه كمرونة في التعامل، ومؤخرًا؛ ركزت الصين على مشاريع توليد الدخل مثل الزراعة والتعدين، بدلًا من البنية التحتية العملاقة لتجنب تكرار أخطاء سريلانكا، وإلى جانب الترويج الغربي لمخاطر فخ الديون؛ تتحرك الولايات المتحدة والقوى الغربيَّة لتعزيز التحالفات الإقليميَّة المضادة.

إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز علاقاتها مع الهند، التي تعارض المشروع بشدة؛ حيث ترى فيه تهديدًا لمصالحها في جَنُوب آسيا، كما يتم دعم مشاريع بديلة مثل الممر التجاري الهندي الإيراني عبر ميناء تشابهار لمنافسة مشروع بكين؛ إلى جانب الضغط السياسي والدبلوماسي، فهناك محاولات غربيَّة لإقناع باكستان بإعادة تقييم المشروع، خاصة فيما يتعلق بشروط التمويل والاستثمارات الصينية؛ كما يتم تسليط الضوء على المخاوف الأمنيَّة المرتبطة بالمشروع، مثل التوترات في إقليم بلوشستان.

مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وصراع القوى الأسيويَّة في الإقليم:

تتعامل الهند مع مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني من خلال مجموعة من التحركات متعددة الأبعاد، والتي تهدف من خلالها إلى الحد من النفوذ المتنامي للصين وباكستان في منطقة جَنُوب آسيا؛ حيث تصاعد الرفض الدبلوماسي والإعلامي مع إدانة الهند للمشروع على المستوى الدَّوْليّ، مشيرة إلى أن الممر لا يحقق العدالة التنمويَّة في المنطقة، بل يعمل كأداة لتمرير أهداف جيوسياسيَّة أوسع. (مركز الإمارات للسياسات).

وتنتقد الهند حقيقة أن المشروع يمتد إلى مناطق متنازع عليها، مثل أجزاء من كشمير التي تعتبرها جزءًا من أراضيها المحتلة، وهو ما يعطيه بعدًا قانونيًّا وسياسيًّا يثير الجدل في المحافل الدوليَّة، وبالتالي تسعى القنوات الدبلوماسيَّة الهنديَّة إلى تسليط الضوء على هذه الإشكاليات كجزء من حملتها الواسعة لاحتواء النفوذ الصيني المُتعاظم، كما وتعمل الهند على توطيد علاقاتها مع شركائها الإقليميين والدوليين من خلال تحالفات إستراتيجيَّة مثل "الرباعيَّة" التي تضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، للموازنة ضد النفوذ الصيني.

إذ يُستخدم هذا التكتل كمنصة لتنسيق الجهود الدبلوماسيَّة والعسكريَّة، مما يسهم في تقديم رد جماعي على أي مبادرات تُعيد تشكيل معادلات القوة في المنطقة بما يخدم مصالح الصين وباكستان؛ كما تُشدد الهند في المنتديات الإقليميَّة على أهمية سيادة الدول واحترام الخطوط الحدوديَّة المعترف بها دوليًّا، وعن الردع العسكري وتعزيز القدرات الدفاعيَّة؛ فمن الناحية الأمنيَّة، تقوم الهند بتحديث قدراتها العسكريَّة وتعزيز التواجد الدفاعي في المناطق الحدوديَّة الحساسة مع الصين.

حيث يُعدُّ هذا التحديث جزءًا من إستراتيجيَّة شاملة لردع أي تحركات قد تأتي نتيجة للطابع الإستراتيجي للممر، حيث يُنظر إلى المشروع كجزء من خِطَّة أكبر للصين تتضمن تأمين طرق التجارة والطاقة عبر المنطقة؛ إذ تُستثمر الهند في البنية العسكريَّة وتطوير التقنيات الدفاعيَّة بهدف خلق حاجز رادع يشكل رسالة واضحة بعدم قَبُول أي توسع غير متوازن في النفوذ. (الشرق للأخبار).

فضلًا عن المبادرات الاقتصاديَّة البديلة وتعزيز الربط الإقليمي؛ إذ تسعى الهند لتعزيز مساراتها الاقتصاديَّة الخاصة ومن ضمنها مبادراتها التنمويَّة لتحقيق الاتصال والتكامل مع دول جَنُوب شرق آسيا ومنطقة المحيط الهندي، إذ تُروج سياسة "التوجه نحو الشرق" التي تهدف إلى استحداث شبكات طرق بديلة وتطوير البِنَى التحتية التي تعزز التجارة والطاقة خارج إطار المشروع الصيني الباكستاني، وهذا النهج يساهم في خلق خيارات تنمويَّة بديلة تُقيد من تأثير الممر على مشهد الاقتصاد الإقليمي.

ولذا يمكن القول: إن التنافس بين القوى الإقليميَّة والدوليَّة على منطقة جنوب آسيا، قد دفع بتحول المشروعات الاقتصاديَّة الكبرى إلى أدوات إستراتيجيَّة، تُعيد تشكيل ملامح النظام الإقليمي، حيث تُستخدم لتسريع النمو التنموي وفي الوقت ذاته لتعزيز النفوذ السياسي والعسكري، وبالتالي؛ فالهند والولايات المتحدة يرون في المشروع الصيني الباكستاني المشترك، تحديًا لتوازن النفوذ الجيوسياسي في إقليم جنوب آسيا، ما يفرض تحديًا جديدًا أمام المشروع.

مستقبل المشروع في ظل التحديات الحاليَّة:

في ظل ما يواجهه المشروع من تحديات داخليَّة وضغوطات خارجيَّة تم تناولها في التقرير، وبالنظر إلى المنافع والمصالح المشتركة لكل من الصين وباكستان؛ فإن مستقبل المشروع سيعتمد على مدى قدرة بكين وإسلام أباد على احتواء ومواجهة تلك التحديات، حيث إن الأخذ بتطبيق إصلاحات داخليَّة وتحسينات إداريَّة خصوصًا في باكستان لتقليل تأثير العقبات الداخليَّة من شأنه أن يحد من الأزمة التمويليَّة والتحديات التي تواجه الحكومة الباكستانيَّة في تنفيذ المشروع.

فمن الضروري أن تعمل الجهات المعنية في باكستان على تبني إصلاحات جذريَّة تتعلق بتحديث الإجراءات البيروقراطيَّة وتعزيز الشفافيَّة وضبط آليات مكافحة الفساد؛ وهذه الإصلاحات قد تُحسن من مناخ الأعمال وتستقطب استثمارات مستدامة، كما وقد يُنظر إلى إعادة التفاوض على شروط القروض أو تحويل بعض الجوانب التمويليَّة إلى شراكات استثماريَّة متعددة الأطراف، كطريقة لتخفيف عبء الدين الخارجي والحفاظ على استقلاليَّة الاقتصاد الوطني.

ويتطلب التعامل مع الضغوط الخارجيَّة تطوير سياسات دبلوماسيَّة توازن بين مصالح الصين وباكستان وبين الأطراف الإقليميَّة والدوليَّة؛ من خلال تعزيز الحِوَار وبناء تحالفات إستراتيجيَّة مع شركاء متعددين، ويمكن للمشروع أن يحصل على دعم دَوْليّ يخفف من تأثير المعارضين، إلى جانب أن استخدام التقنيات الحديثة والابتكارات سيمكن المشروع من الاستفادة من المبادرات الرقميَّة والحلول الذكيَّة لإدارة المشروعات بفعاليَّة أكبر.

إذ إن تضمين أنظمة مراقبة وتحليل متقدمة، قد يسهم في تحسين إدارة الموارد وضمان سير العمل بكفاءة في ظل التحديات المحيطة، ويمكن القول؛ بالنظر إلى الأهمية الجيوإستراتيجيَّة لمشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، بالنسبة إلى بكين؛ كونه يندرج ضمن إستراتيجيَّة صينيَّة أكبر للهيمنة الاقتصاديَّة والتجاريَّة العالميَّة، إلى جانب تعاظم الأهمية الاقتصاديَّة للمشروع بالنسبة إلى الحكومة الباكستانيَّة؛ فيبدو أن البلدين بمقدورهما تجاوز التحديات والعقبات الداخليَّة والخارجيَّة لإتمام المشروع الاقتصادي العملاق.

الخلاصة:

يمثِّل مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، نقطة تحول إستراتيجيَّة على المستويين الإقليمي والعالمي؛ فهو يجسد رؤية الصين في تأمين طرق التجارة والطاقة وتأثيرها على موازين القِوَى الدوليَّة، بينما تشكل ردود الفعل الهنديَّة والغربيَّة، جزءًا لا يتجزأ من المشهد التنافسي العالمي والحرب الباردة الجديدة، ويمكن لهذا الملف أن يُعيد تشكيل مستقبل العلاقات والتوازنات في المنطقة؛ الأمر الذي يستدعي مراقبة مستمرة لتطوراته، وفهمًا عميقًا للأبعاد الاقتصاديَّة والجيوسياسيَّة والأمنيَّة؛ كما ويبقى التنافس والمخاوف الإقليميَّة والدوليَّة قائمة بين القوى الكبرى حول كيفية تفاعل باقي الفاعلين الإقليميين مع هذا التحالف الإستراتيجي وصراعاته المتعددة الأبعاد، في ظل مضي الصين وباكستان في تنفيذ المشروع انطلاقًا من دوافع جيوسياسيَّة واقتصاديَّة ملحة.

المصادر:

سكاي نيوز عربية

المرصد المصري

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية

العربي الجديد

إندبندنت عربية

مركز الإمارات للسياسات

الشرق للأخبار

الكلمات المفتاحية

مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستانيالضغوطات الغربية على باكستانالعلاقات الصينية الباكستانية المتناميةالتحركات الهنديةإستراتيجية فخ الديون الصينيةالحرب الباردة الجديدة