تهويد وبطش وقتل واستيطان.. مخطط واسع لضمِّ الضفة الغربية ونسف القضية الفلسطينية
بحوث ودراسات

تهويد وبطش وقتل واستيطان.. مخطط واسع لضمِّ الضفة الغربية ونسف القضية الفلسطينية
تزامنًا مع كلِّ الدمار والقصف والإبادة التي يتعرَّض لها قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، تواجِه الضفة الغربية أشد أنواع التنكيل والحصار والغارات اليومية والاعتقالات، ومصادرة المنازل وهدمها، وتحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية، تحديدًا المنازل القريبة من معسكرات جيش الاحتلال ليعيش فيها المجندون، إلى جانب احتلال الضفة بالكامل والتوسع في بناء المستوطنات ضمن مخطط ضخم لضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية إلى الأراضي التي يستعمِرها الإسرائيليون، بجانب مخططات داخلية للتحكم فيما تبقَّى من مخيمات ومدن الضفة الغربية بعد عزلها عن محيطها الفلسطيني، وفصل أحياء القدس التاريخية عنها. لم يكن ذلك المخطط سرًّا، فقد دعا وزراء إسرائيليون ومستوطنون علنًا إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وإخلائها من الفلسطينيين وضمها بشكل كامل إلى الأراضي المحتلة وإعادة بناء مستوطنات كاملة يعيش فيها اليهود؛ كما يفرِض الاحتلال، منذ 7 أكتوبر 2023، إغلاقًا مشددًا بحواجز وبوابات على كافة مخيمات وقرى وبلدات ومدن الضفة الغربية، ويمنَع التنقل بينها، علاوة على جرائم أخرى؛ ولذا يوجِّه هذا التقرير الأنظار نحو انتهاكات الكيان الصهيوني وعدوانه الصارخ على مدن ومخيمات الضفة الغربية، تزامنًا مع مجازر الإبادة في قطاع غزة منذ عملية طوفان الأقصى. دوافع عدوان الاحتلال على الضفة الغربية: وبالتالي فإن الاحتلال الصهيوني لم يكن دافعه في قصف قطاع غزة بآلاف الصواريخ وتدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل وقتل المدنيين بدم بارد، وتنفيذ مئات المجازر وتجويع أهل غزة حتى الموت؛ فضلًا عن حصارهم وقتلهم بالرصاص في تجمعات طلب الطعام، الدفاع عن نفسه -كما يدَّعي ويزعُم-، بل إن الاحتلال الإسرائيلي يقتُل الفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية ويستعمِر أراضيهم ويهدِم منازلهم من أجل إبادة الفلسطينيين والقضاء على القضية الفلسطينية، وهو ما توضِّحه جرائم الاحتلال في الضفة الغربية التي لم تشارِك في طوفان الأقصى، وكأن جزاءهم -لأنهم فلسطينيون كما أهالي قطاع غزة- الموت والقتل والإبادة والتجويع؛ ولذلك نوضِّح خلال هذا التقرير جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ومخططاته التي لا تدَع مجالًا للشك في النوايا الإسرائيلية الخبيثة تجاه مستقبل قطاع غزة والضفة الغربية والفلسطينيين وقضيتهم بشكل عام. الضفة الغربية ساحة عدوان: يتحكَّم الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية منذ احتلالها عام 1967 بواسطة حواجز التفتيش والاعتقالات وهدم المنازل والاستيلاء على الأراضي، ويقيِّد حركة 3.3 ملايين فلسطيني مقابل منح حرية الحركة لحوالي 700 ألف إسرائيلي يقيمون في مستوطنات غير شرعية أو قانونية على أراضٍ فلسطينية محتلة بقوة السلاح. تقع الضفة الغربية على مساحة 5,680 كم²، شرق الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعيش فيها نحو ثلاثة ملايين و256 ألفًا في 19 مخيمًا رسميًّا، ومدن أساسية هي القدس والخليل ونابلس ورام الله وطولكرم وقلقيلية وأريحا وجنين. ومنذ عملية طوفان الأقصى، تتعرَّض كل مدن ومخيمات الضفة الغربية لأقسى الغارات الإسرائيلية والتنكيل اليومي المستمر وحصار يقطَع أوصال الضفة بنحو 900 حاجز، مما أسفر عن استشهاد قرابة 700 فلسطينيٍّ واعتقال أكثر من 10 آلاف آخرين، في ظل زيادة وتيرة الاعتقالات والإخلاء وهدم المساكن والقتل وتوسيع المستوطنات، واعتقال أكثر من 9,100 أسير أُضيفوا إلى 5,200 كانوا في السجون الإسرائيلية قبل 7 أكتوبر 2023، وتدمير أكثر من 1,450 مبنًى ومنزل، وتشريد 4 آلاف فلسطينيٍّ تقريبًا. وقد خصَّص المقال الافتتاحي لصحيفة هآرتس الصهيونية عنوانًا لمقال عن معاناة أهالي الضفة الغربية على يد ميليشيات الاحتلال، قال فيه: "أهل الضفة الغربية يُذبَحون بهدوء"، وذلك لنقل مآسي الفلسطينيين في الضفة الغربية على يد المستوطنين فقط، ولم يتطرَّق المقال إلى عدوان جيش الاحتلال على أهالي مدن ومخيمات الضفة. تأتي مدن جنين وطولكرم والخليل ونابلس، إضافة إلى القدس، في مقدمة مواجهة الانتهاكات اليومية على يد ميليشيات الاحتلال. ومنذ بداية طوفان الأقصى، تحوَّلت الضفة إلى ساحة عدوان غير مسبوقة ضد الفلسطينيين، واستشهد 805 فلسطينيين بين أكتوبر 2023 ونهاية ديسمبر 2024، منهم 593 بالرصاص الحي. وفي عام 2025، استشهد 90 فلسطينيًّا حتى التاسع من مارس الماضي، مع تركيز كبير على مخيم جنين وطوباس ومخيم نور شمس، حيث تصدَّرت جنين ومخيمها قائمة المناطق الأكثر دموية (173 شهيدًا)، تلتها طولكرم ومخيمها (98 شهيدًا)، ثم مخيم نور شمس (77 شهيدًا)، باستخدام الدبابات والطائرات الحربية داخل الضفة لأول مرة منذ الانتفاضة الثانية. وقد وصفت منظمة العفو الدولية عدوان الاحتلال بـ"الوحشي"، مستنكرةً عمليات قتل الفلسطينيين باستخدام القوة المميتة وحرمان المصابين من الرعاية الطبية. كما نشر جيش الاحتلال مقاطع مصورة لتفجير أكثر من 10 مبانٍ في جنين دفعة واحدة، إضافة إلى تنفيذ اغتيالات جوية في الضفة الغربية، في أسلوب لم يُستخدَم منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية. إعادة هندسة جغرافية الضفة الغربية: تزامنًا مع الإبادة والقتل في قطاع غزة، تعمَل جرافات الاحتلال بلا توقف على محو معالم الحياة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث تُهدَم المنازل على رؤوس أصحابها، ويحصُد جنود الكيان الصهيوني ودباباته وطائراته أرواح المدنيين، من أجل ضم الأراضي بوتيرة سريعة وغير مسبوقة، تعادل ما تم الاستيلاء عليه من أراضي الضفة خلال 24 عامًا مجتمعة، وسط عمليات قتل جماعي وتدمير المنازل وحصار كامل، وزيادة ضخمة في الاستيطان، لإعادة هندسة جغرافية شاملة للضفة الغربية على يد وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش والمستوطنين في الضفة، عبر عمليات الهدم والمصادرة، وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية. في حين بلغ إجمالي المنشآت المهدَّمة بين السابع من أكتوبر 2023 والسابع من مارس 2025، أكثر من 2,560 منزلًا ومبنًى، نزح على إثرها نحو 5,919 شخصًا وتأثَّر أكثر من نصف مليون. وشهد شهر فبراير 2025 وحده هدم 170 منشأة، فيما يتم الاستيطان بوتيرة عالية في كل مدن الضفة الغربية عدا محافظتي جنين وطولكرم، حيث إنهما الأقل من حيث الاستيطان مقارنة ببقية مناطق الضفة الغربية، مما يفسِّر سبب العدوان الإسرائيلي العسكري المكثف عليهما بعد السابع من أكتوبر. وأظهر تحليل صور أقمار صناعية في مارس 2025 تدمير وتجريف قوات جيش الاحتلال نحو 12.5 كيلومترًا من شبكة الطرق داخل طولكرم ومخيم نور شمس، وتجريف 17.5 كيلومترًا من شبكة الطرق داخل مخيم جنين؛ بالإضافة إلى تدمير واسع في المباني في المخيمات الثلاثة. مخطط واسع: تواجِه الضفة الغربية مخططًا صهيونيًّا واسعًا لضم أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين لإقامة مستوطنات إسرائيلية عليها باستخدام العدوان وقوة غاشمة والاعتقالات والتفجيرات المتواصلة، إلى جانب مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات عليها، يخطِّط الاحتلال لتطبيق عدة نماذج لتطبيع العلاقات مع سكان مخيمات ومدن الضفة الغربية المتبقية، ويُطلَق عليها الاحتلال نماذج جنين، حيث ينصُّ كلٌّ من نموذج جنين الأول والثاني والثالث على تطبيع العلاقات مع الأمن ورجال الأعمال في مخيم جنين، وكذلك ابتزازهم بالاقتصاد من أجل تطويعهم بشكل كامل للعمل مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، وإعادة هندسة العلاقة مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بحيث تصبح تفكِّر كما يفكِّر الاحتلال، وكذلك إعادة بناء مخيم جنين بشكل تدريجي وبشوارع واسعة وبتصميمات أقرب إلى مدينة جنين، مع تثبيت قوات وقواعد إسرائيلية دائمة تتحكَّم في القطاع. وفي حال نجاح النموذج، يتم تعميمه على كل مخيمات الضفة. كما يقوم المخطط على تقسيم الضفة الغربية إلى سبعة معازل منفصلة، وتحويل كل مدينة إلى كيان إداري وسياسي منفصل له مرجعية عشائرية وإدارية يتعامل معها الاحتلال بشكل منفصل. وجغرافيًّا يتم إعادة هندسة جغرافية الضفة الغربية -كما أوضحنا-، وهو ما قصدته إسرائيل بعد بناء المستوطنات الصهيونية ومعسكرات الاحتلال بشكل يفصِل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية عن بعضها بعضًا، حيث لا يوجد أي اتصال جغرافي بين أي مدينتين في الضفة، ويقتصر التواجد الفلسطيني الفعلي على نحو 10% فقط من مساحة الضفة الغربية التي تشكِّل 22% من مساحة أرض فلسطين التاريخية. ويأتي ذلك التقسيم تحديدًا وفق نموذج جنين الثاني، بحسب نموذج الإمارات السبع للخبير الإسرائيلي اليميني مردخاي كيدار، وهو واحد من مجموعات مراكز البحث والتفكير الرئيسية في إسرائيل. نموذج جنين الثاني: تتمثَّل أركان نموذج جنين الثاني، والذي يسعى الاحتلال إلى تعميمه على باقي الضفة الغربية، في التالي:- إنهاء وجود المخيمات بالكامل، وتغيير هيكلها المكاني للتحول إلى قرى وإلغاء تسمية المخيمات، وإعادة توزيع السكان اللاجئين في المدن والقرى.
- إعادة هندسة السلطة الفلسطينية بشقَّيها المدني والأمني لتكون أكثر استجابة لنموذج كيدار.
- الحكم العسكري المباشر للفلسطينيين بأدوات متجددة.
- إعادة إحياء نموذج روابط القرى، ولكن بواجهات مدنية واقتصادية مستحدثة كمقدمة للإعلان الرسمي عن ضم الضفة الغربية، بعد تطبيع العلاقات أمنيًّا واقتصاديًّا.
- تدمير 12.5 كيلومترًا (7.8 أميال) من الطرق في طولكرم ومخيم نور شمس.
- هدم 17.5 كيلومترًا (10.9 أميال) من شبكات الطرق في مخيم جنين.
- أضرار واسعة النطاق للمباني في المخيمات الثلاثة.
- تجريف ما لا يقل عن 523 مبنًى (كانت تؤوي العديد من العائلات). كذلك تهجير ما يقرب من 3 آلاف شخص من منازلهم، بما في ذلك:
- مخيم طولكرم: تهجير 1,070 شخصًا بعد هدم 205 مبانٍ.
- مخيم نور شمس: تهجير 965 شخصًا بعد تدمير 174 هيكلًا.
- مخيم جنين: تهجير 960 شخصًا بعد هدم 144 هيكلًا.
- فرض واقع جديد على أراضي الضفة بالهدم والاستيطان والتوسع في عمليات القتل والاعتقالات والتهجير.
- تفكيك قضية اللاجئين من محتواها عبر استهداف المخيمات الفلسطينية وتدمير بنيتها التحتية وتسريع تفكيك وكالة الأونروا، حيث أجبَر الاحتلال عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين على مغادرة مخيماتهم في جنين وطولكرم ونور شمس.
- تغيير التركيبة السكانية للضفة الغربية من خلال سياسات ممنهجة لتهجير الفلسطينيين خارج المخيمات والمدن.
- يمهِّد الاحتلال الإسرائيلي الطريق للضم وتوسيع الاستيطان عبر نقل الصلاحيات إلى جهات مدنية تدير الاستيطان، وشرعنة البؤر الاستيطانية، والإعلان عن آلاف الدونمات كأراضي دولة.
- يستهدِف الاحتلال تدمير مقومات الحياة في الضفة، وتحويلها إلى بيئة غير قابلة للعيش، حيث هدم أكثر من 120 منزلًا في مخيم جنين وحده، و50 وحدة سكنية في مخيم نور شمس؛ إضافة إلى إغلاق المخيمات وعزل المدن، وتجريف الطرق والبنية التحتية، وقطع المياه والكهرباء، وإغلاق مداخل المدن الفلسطينية بالحواجز والمدرعات العسكرية، لعزل الفلسطينيين داخل قراهم.
- يمارس الاحتلال الصهيوني سياسة التغيير الديموغرافي القسري بتهجير قرابة 40 ألف فلسطيني من مخيمات الشمال، واعتقال المئات حتى شهر مارس 2025.
- يستهدِف إضعاف الوجود الفلسطيني، وشل الاقتصاد عبر تدمير الأسواق والقطاع الزراعي، وحصار المدن.
الكلمات المفتاحية
الضفةالغربيةالاحتلالجنينأكثرمنذالفلسطينيينمخيمالغربية،المخيمات