دراسة تحليلية للاتفاق التجاري بين بريطانيا وأمريكا وتداعياته الداخلية على كلا البلدين وأثره على العلاقات البريطانية الأوروبية
دولية

دراسة تحليلية للاتفاق التجاري بين بريطانيا وأمريكا وتداعياته الداخلية على كلا البلدين وأثره على العلاقات البريطانية الأوروبية
يُعَدُّ الاتفاق التجاري بين بريطانيا وأمريكا خطوةً تعكس تحولًا مفصليًّا في العلاقات الدولية؛ حيث تسعى بريطانيا إلى إعادة تموضعها بعد البريكست، بينما تُعيد الولايات المتحدة تشكيل تحالفاتها التجارية في ظلِّ تصاعد الحمائية العالمية؛ ولذا، فإنَّ الاتفاق التجاري بين واشنطن ولندن يُعَدُّ أول تطبيق عملي لرؤية ترامب التجارية القائمة على "الرسوم الانتقائية المتبادلة"، ويمنح بريطانيا فرصةً لإثبات جدوى الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويمهِّد لتأسيس كتلة تجارية أمريكية - بريطانية جديدة. وهنا تتزايد مخاوف الاتحاد الأوروبي من تأثيرات قد تطال العلاقات التجارية البريطانية الأوروبية ما بعد البريكست، إلى جانب مخاوف الداخل البريطاني والأمريكي من تداعيات سلبية قد تؤثِّر في العلاقات التجارية مع شركاء تجاريين آخرين، ما يؤشِّر إلى تعقيد المشهد من جهة وصعود كتلة تجارية جديدة في الاقتصاد العالمي من جهة أخرى. فما تفاصيل الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأبرز بنودها؟ وكيف يمكن قراءة أثر الاتفاقية على اقتصادَي البلدين والأسواق التجارية العالمية في ظلِّ الثقل الاقتصادي لكلا البلدين عالميًّا؟ ماذا عن ردود الفعل الداخلية على الاتفاقية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة؟ وكيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق في ظل مخاوف أوروبية من مزيد من التباعد التجاري مع بريطانيا؟ وفي ظل الاتفاقيات التجارية الأخيرة وتحركات القوى الاقتصادية الكبرى، كيف يمكن قراءة مشهد الحرب التجارية خلال السنوات القادمة؟ يسلِّط مركز "رواق" للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على الاتفاقية التجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وتداعياتها على اقتصادَي البلدين والأسواق العالمية في ظل تباين المواقف في الداخل البريطاني والأمريكي وتزايد المخاوف الأوروبية، في هذه السطور الآتية. تفاصيل الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأبرز بنودها: في الـ17 من يونيو 2025م، وخلال قمة مجموعة دول السبع الصناعية الكبرى التي عُقدت في كندا، وقَّعت المملكة المتحدة والولايات المتحدة اتفاقيةً تجاريةً ثنائيةً، حيث شملت بنود الاتفاق خفضًا تدريجيًّا للرسوم الجمركية بين الجانبين، بحيث يُخفِّض الجانب الأمريكي رسمًا ثابتًا من 27.5% إلى 10% على شرائح محدَّدة من الواردات البريطانية، فيما تعهدت بريطانيا بإلغاء كامل للرسوم الجمركية على أكثر من 50% من وارداتها الأمريكية بحلول يوليو 2025م (مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية). كما اشتملت الاتفاقية أيضًا على بنودٍ لتعزيز التكامل في قواعد المنشأ وتبسيط إجراءات التفتيش الجمركي بما يُسرِّع حركة البضائع ويُخفِّض تكاليف الشحن. وتسعى المملكة المتحدة من خلال تلك الاتفاقية إلى تعميق الشراكة الاقتصادية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، عبر خفض تدريجي للرسوم الجمركية على السلع والصناعات الرئيسة، وتعزيز التعاون في الخدمات الرقمية والمالية، وضمان معايير مشتركة للبيئة والعمل وحماية البيانات. فعلى صعيد قواعد المنشأ وتبسيط الإجراءات، فإنَّ الاتفاقية تسعى إلى توحيد معايير تحديد المنشأ بنسبة 60% لمكوِّنات المركبات والأجهزة الكهربائية لتشجيع الإنتاج المشترك، وتنظيم كشوفات إلكترونية مسبقة للشحنات وإدخال آلية "الجمارك المبسَّطة" لمنح استثناءات وقتية للبضائع ذات القيمة المنخفضة، إلى جانب آلية مراجعة مشتركة بين الهيئة الأمريكية والجمارك البريطانية لتسوية الخلافات خلال 30 يومًا. وعلى صعيد المعايير التنظيمية والاجتماعية، فإنَّ الاتفاقية اشتملت على بنودٍ للاتفاق على مستوى أدنى للمعايير البيئية يوازي بروتوكولات باريس للمناخ، وإحكام ضوابط العمل وضمان الحدِّ الأدنى للأجور بما يتماشى مع التشريعات البريطانية والأمريكية، إلى جانب إعداد لجنة مشتركة لمراقبة تطبيق كل بند من هذه المعايير، ومراجعة أي انتهاكات ربع سنويًّا. وعلى الجانب الاستثماري وحماية حقوق الملكية الفكرية، فقد جرى الاتفاق على تشريع الحماية المتبادلة للبراءات والعلامات التجارية بفترة صلاحية تصل إلى 20 عامًا، إلى جانب آلية تحكيم دولية حول نزاعات المستثمرين بدعم من مركز الاستثمار الدولي في لندن (اقتصاد الشرق). وعلى صعيد آليات تسوية المنازعات بين الجانبين، فتتم عبر ثلاث مراحل: الأولى التشاور الفني بين الخبراء خلال 30 يومًا، والثانية التحكيم اللين بمشاركة هيئة مستقلة خلال 90 يومًا، والثالثة اللجوء إلى القضاء كخطوة أخيرة، مع فرض عقوبات متبادلة إذا لزم الأمر. كما اشتمل الجدول الزمني للتنفيذ على بدء العمل بإلغاء الرسوم على الإلكترونيات والسلع الزراعية الرئيسة اعتبارًا من يوليو 2025م، واستكمال المرحلة الأولى لتخفيض الرسوم على الأغذية المصنَّعة والألبسة خلال ديسمبر 2025م، وصولًا إلى الانتهاء من خفض الرسوم الجمركية لجميع القطاعات المنصوص عليها في يونيو 2026م. وفيما يتعلَّق ببنود القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي اشتملت عليها الاتفاقية، فعلى صعيد الزراعة والأغذية، جرى اعتماد معايير سلامة مشتركة تماشيًا مع قواعد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وبروتوكولات "أوكوس" البريطانية، إلى جانب اتفاق الجانبين على إمكانية تصدير منتجات الألبان واللحوم الحاصلة على شهادات صحية معترف بها متبادلًا، فضلًا عن فتح سوق تصدير الدواجن الأمريكية دون رسوم إضافية لحجم سنوي يصل إلى 120 ألف طن (حابي). وفيما يتعلَّق بقطاع السيارات والصناعات التحويلية، فقد تم الاتفاق على رفع الحصة المعفاة من الرسوم على الصادرات البريطانية من السيارات الكهربائية إلى 200 ألف وحدة سنويًّا، وتسهيل الاعتراف بالموافقات الفنية البريطانية للأجزاء الميكانيكية في السوق الأمريكية والعكس. وعلى صعيد قطاع الخدمات المالية، جرى منح مزيد من التراخيص للمؤسسات المالية البريطانية للعمل في آسيا عبر "جسر واشنطن" دون الحاجة إلى تأسيس كيان كامل، إلى جانب إنشاء إطار مشترك لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بالاستناد إلى قواعد "فاينشال كرافت إنترناشيونال". وفيما يتعلَّق بالتجارة الرقمية والتكنولوجيا، اتفق الجانبان على حماية حرية تدفق البيانات بين البلدين مع ضوابط للخصوصية بموجب اللائحة العامة لحماية البيانات، إلى جانب التعاون في تطوير المعايير الخاصة بالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني عبر مراكز بحث مشتركة. أثر الاتفاقية على اقتصادَي البلدين والأسواق التجارية العالمية في ظلِّ الثقل الاقتصادي لكلا البلدين عالميًّا: وفي ظل تلك البنود، تبرز تأثيرات إيجابية عدَّة على صعيد الاقتصادَين الأمريكي والبريطاني والأسواق الدولية. ففيما يتعلَّق بتكاليف الاستيراد والتصدير، فإنَّ خفض الرسوم الجمركية على حوالي 50% من الواردات بين البلدين يُخفِّض تكاليف الشحن ويُقلِّص الحواجز البيروقراطية، فالشركات الأمريكية والبريطانية ستتمكَّن من استيراد السيارات والإلكترونيات والمنتجات الغذائية بتكاليف أقل تتراوح من 20 إلى 30 نقطة مئوية على بعض الأصناف، ما يعزِّز هوامش أرباحها وينعش الصادرات المتبادلة. وعلى صعيد الانعكاسات على التجارة الثنائية بين الجانبين، فإنَّ التقديرات الأولية تُشير إلى ارتفاع حجم التجارة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بنسبة من 25 إلى 35% خلال العامين القادمين، مدفوعةً بوقف الرسوم المبالغ فيها على الصناعات التحويلية والزراعية والخدمات الرقمية؛ إذ إنَّ انخفاض التعريفات على المواد الخام والمكوِّنات يزيد من تنافسية الصادرات البريطانية في الولايات المتحدة والعكس. وعلى صعيد الناتج القومي والأجور، فإنَّ انخفاض تكاليف الوساطة الجمركية يرفع الإنتاج الصناعي في قطاعَي السيارات والآلات بنسبة من 1 إلى 2%، ويُترجَم على شكل نموٍّ متوقَّع في الناتج القومي من 0.1 إلى 0.2% لكلا البلدين. ففي الداخل البريطاني، فإنَّ خفض رسوم اللحوم والألبان يدعم المزارع المحلية ويُخفِّض أسعار الغذاء للمستهلكين، ما قد يرفع الأجور الحقيقية بنسبة 0.3% في القطاعات الريفية. وفيما يتعلَّق بالأسواق التجارية العالمية وإعادة توجيه سلاسل الإمداد، فإنَّ شركات كبرى ستُحوِّل مراكز توزيعها إلى بريطانيا لتجنُّب متطلَّبات الاتحاد الأوروبي، ما يُعيد تموضع مرافئ مانشستر وساوثهامبتون كمحطات رئيسة للتجارة العابرة إلى القارة، والميزة التنافسية الجديدة تُشكِّل ضغطًا على الموانئ الألمانية والهولندية وتُعيد رسم خريطة اللوجستيات في شمال أوروبا. وبالنظر إلى الأثر على التدفقات الاستثمارية، فإنَّ تأمين الحماية المتبادلة للملكية الفكرية ووقف الرسوم على المكوِّنات التكنولوجية يدفع الشركات الأمريكية إلى زيادة استثماراتها في مراكز الابتكار البريطانية، والعكس، فالبنوك الاستثمارية ستوسِّع خدمات التمويل التجاري عبر "جسر واشنطن"، مستفيدةً من الحدِّ الأدنى الجديد للأجور والمعايير البيئية الموحَّدة (المصري اليوم). وبالنظر إلى التوقعات الحالية انطلاقًا من بنود الاتفاق والتأثيرات المأمولة، يمكن القول: إنَّ مؤشِّر صادرات السيارات الكهربائية البريطانية سيرتفع مدعومًا بإلغاء الرسوم، مع تراجع سعر الواردات الأمريكية على شرائح معدنية بنسبة 10%. كما إنَّ أسعار الحبوب العالمية قد تنخفض جزئيًّا بفعل رفع بريطانيا لرسوم الذرة إلى 0% فوريًّا، هذا إلى جانب أنَّ تدفُّقات الغاز الطبيعي المسال بين البلدين سترتفع، ما يؤمِّن دعمًا لسوق الطاقة الأوروبية؛ فالاتفاق يُعزِّز موقع تحالف (واشنطن - لندن) كثالث كتلة تجارية بعد الاتحاد الأوروبي وآسيان، ويخلق ديناميكية مؤثِّرة في المفاوضات التجارية المقبلة مع الهند وأمريكا اللاتينية. ردود الفعل الداخلية على الاتفاقية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة: وأحدثت الاتفاقية انقسامًا وجدلًا واسعًا على صعيد الداخل البريطاني. ففي البرلمان البريطاني، وصفت الجبهة اليسارية المشتركة في البرلمان الصفقة بأنَّها "كارثة تجارية" وطالبت بمراجعة شاملة لمدة 90 يومًا قبل التصديق النهائي، في حين أنَّ أحزاب المعارضة (حزب العمال والحزب الوطني الإسكتلندي) انتقدت تراجع قدرة المملكة المتحدة على وضع تعريفاتها الجمركية محليًّا، وخشيت من استيراد منتجات لا تَفي بالمعايير الأوروبية. كما إنَّ نقابات عمالية ومنظمات بيئية حذَّرت هي الأخرى من تدني جودة المدخلات الزراعية والصناعية، وتأثير ذلك سلبًا في العمال والمنتجين المحليين (الجزيرة). ويبدو أنَّ المواقف الداخلية البريطانية تنطلق من مخاوف جرَّاء فقدان جزء من القدرة على وضع قواعد تجارية خاصة بالمملكة المتحدة بمعزل عن الولايات المتحدة في ظلِّ الاتفاق التجاري الأخير، واستيراد لحوم معالجة ومواد غذائية بإجراءات سلامة أدنى، وقلق متزايد بشأن تأثير الإغراق الجمركي في الصناعات المحلية. ومن المقرَّر أن يبدأ البرلمان البريطاني مناقشة البنود التفصيلية في جلسة موسَّعة بحلول 9 يوليو 2025م، تمهيدًا للتصويت النهائي في الخريف، ومن المرجَّح أن يدفع ذلك الانقسام في أوساط البرلمان البريطاني إلى مزيد من النقاش حول تعديل الفقرات المتعلقة بالاستثمار وحماية حقوق الملكية الفكرية لتلبية مطالب المعارضة والاتحاد الأوروبي. وعلى صعيد الداخل الأمريكي، فإنَّ غرفة التجارة الأمريكية رحَّبت بإلغاء الرسوم على الحبوب والمواد الكيميائية، معتبرةً الاتفاق فرصةً لتوسيع صادراتها إلى السوق البريطانية. كما أنَّ رئيس لجنة المالية بمجلس الشيوخ الأمريكي دعا إلى وضع آليات تنفيذية لضمان التطبيق المتبادل للمعايير البيئية والعمالية المُتَّفق عليها، وقد أعربت جمعيات لحوم ومنظمات زراعية أمريكية عن قلقها من منافسة متزايدة في السوق المحلية جرَّاء تخفيض رسوم واردات اللحوم البريطانية (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية). مخاوف الاتحاد الأوروبي من الاتفاقية التجارية البريطانية الأمريكية ومواقف القوى الدولية: وعقب الإعلان عن التوصُّل إلى اتفاق تجاري بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، أبدت دول ضمن الاتحاد الأوروبي خشيتها من أن يؤدي الاتفاق إلى مزيد من التباعد التنظيمي بين لندن وبروكسل، مما يفتح ثغرات في السوق المشتركة ويشجِّع الشركات على التحوُّل إلى المعابر البريطانية تفاديًا للمتطلَّبات الأوروبية. وترى المفوضية الأوروبية أنَّ أي انحراف عن معايير الاتحاد في مجالات نسج الأقمشة، والأغذية، أو المعالجة قد يزعزع التوازن التنافسي داخل السوق الواحدة. فالتكتُّل الأوروبي خشي من أن يؤدي الاختلاف التدريجي في المعايير البيئية والعمالية إلى خلق "منافذ جمركية" بديلة عبر بريطانيا، ما قد يُضطرُّه إلى تعديل قواعد منشأ البضائع وتعزيز رقابته الداخلية. كما أنَّ بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا، التي تعتمد على واردات من لندن كممرٍّ، ستجد في المعابر الجمركية البريطانية بديلًا مناسبًا عن سلاسل التوريد والإمداد التجارية الأوروبية، وذلك لتبسيط الإجراءات وتخفيض السعر. ويمكن ملاحظة أنَّ بروكسل تسعى إلى تثبيت حرصها على صون السوق الواحدة، حيث شدَّدت على قواعد المنشأ لتجنُّب تسرب بضائع بخصومات أمريكية إلى القارة، وتبرز احتمالية تزايد تدابير المراقبة الحدودية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، مع احتمال مراجعة بنود الاتفاق الأوروبي البريطاني لتغطية الفجوات الجديدة (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدِّمة). وفيما يتعلَّق بالقوى الاقتصادية الكبرى الأخرى، فقد عملت كندا والمكسيك على تكثيف المنافسة في قطاع الزراعة والأغذية، إذ إنَّ واردات الحبوب واللحوم الأمريكية الأرخص عبر لندن تُضغط على أسعار صادرات كندا والمكسيك إلى أوروبا، حيث دفعت الضغوط الأخيرة الحكومتين الكندية والمكسيكية إلى مطالبة واشنطن بإعادة النظر في مكوِّنات اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك لاحتواء تأثير بريطانيا. في حين رأت بلدان آسيا والمحيط الهادئ أنَّ الاتفاقية التجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة تُمثِّل صفقةً وحافزًا لبعض دول الإقليم للإسراع في إجراءات الانضمام إلى الاتفاقية الشاملة والتقدُّمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، وذلك خشية أن تفوت فرصة الوصول المباشر إلى سوقَين رائدَين؛ إذ قد تُضعِّف حصة الصادرات اليابانية والأسترالية من المعادن الزراعية، إذا لم تُعَدَّل شروط وصولها إلى بريطانيا بما يتماشى مع التحالف الجديد. وفي إقليمَي الشرق الأوسط وإفريقيا، فإنَّ مرونة القناة البريطانية للاستيراد خفَّضت تكاليف السلع الاستهلاكية والأسمدة لأسواق القاهرة ونيروبي، مما يُخفِّف بعض الضغوط التضخُّمية المحلية. وقد تلجأ دول الخليج إلى إعادة التفاوض مع لندن لضمان قواعد منشأ أقل تشدُّدًا على الطاقة والبتروكيماويات. كما أثَّرت الاتفاقية البريطانية الأمريكية في مسارات التفاوض التجاري الأخرى؛ مثل: المفاوضات الهندية الأمريكية، والأسترالية البريطانية، بشأن احتمالية إبرام اتفاقيات تجارية مستقبلية بين تلك الدول؛ إذ إنَّ اتِّجاه لندن لبناء جسر غربي مع واشنطن قد أخَّر إقرار اتفاقية التجارة الحرة مع نيودلهي، بعد ما بدا أنَّ أولويتها الآن تأمين دخول سلع أمريكية، كما تواجه كانبيرا معضلة تمديد جدولة الرسوم على اللحوم الأسترالية عبر "أستراليا-المملكة المتحدة" مقابل تنازلات في قطاعات أخرى. فهذه الدينامية الإقليمية والعالمية المتجدِّدة ستُعيد رسم خرائط التفاوض التجاري في العامين المقبلين، مع بروز ثنائية "واشنطن -لندن" كعامل ضاغط على القضايا البيئية والصناعية والرقمية لدى الجميع. مستقبل الحرب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى في ظل الاتفاقيات التجارية الأخيرة: وفي ظل الخفض المتبادل والكبير للرسوم الجمركية وإعادة تنظيم خطوط الإمداد اللوجستية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فإنَّ الاتفاقية التجارية بين الجانبين تُمثِّل تحالفًا اقتصاديًّا وكتلةً تجاريةً باتت تُشكِّل ثالث أكبر كتلة تجارية بعد الاتحاد الأوروبي وآسيان، بفضل الاتفاقية التي عزَّزت خفض التعريفات وحماية الملكية الفكرية بين البلدين. ورغم كون الاتفاقية التجارية قد خلقت كتلةً تجاريةً جديدة؛ إلا أنَّها أنتجت ضغوطًا تنافسية وديناميات جديدة للتعاون والتنافس بين البلدين. إذ يتوقَّع منتجو الحبوب واللحوم الأمريكيون في قطاعات الغذاء والدواء ارتفاع صادراتهم إلى بريطانيا، ما يُثير مخاوف نظرائهم الأوروبيين والكنديين من تراجع حصتهم في السوق الإقليمية. كما أنَّ توحيد ضوابط حماية البيانات يؤدي إلى سباق في اعتماد معايير سيبرانية موحَّدة، ويحتمل أن يظهر صدام بين الهيئات التنظيمية البريطانية والأمريكية حول جواز استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي. وتبرز احتمالية استمرار الضغوط من قبل الاتحاد الأوروبي لرفع سقف المواصفات المناخية للطرفَين، ما قد يدفع واشنطن ولندن إلى تعديل بنود الاتفاقية أو إطلاق "تحالفات خضراء" جديدة مع شركاء آخرين. وفي ظل مشهد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومع تواصل فرض واشنطن لتعريفات انتقامية على المكوِّنات التقنية الصينية، فقد تُستخدم لندن كبوابة بديلة لشركات التكنولوجيا الآسيوية، ما يُثير انزعاج بكين ويعقِّد مساعيها في تحقيق إستراتيجية "صنع في الصين 2025". وفي ظل تلك التطورات، فإنَّ التوقعات المستقبلية تُشير إلى عدَّة سيناريوهات، أولها الاندماج الإقليمي عبر إنشاء تحالفات تجارية جديدة تشمل كندا وأستراليا لدعم التبادل ضمن أطر متعدِّدة الأقطاب، بما يحدُّ من هيمنة الصراع الأمريكي الصيني. أما السيناريو الثاني، فالصدام على المعايير بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، عبر احتمالية حدوث نزاعات متكرِّرة حول المواصفات الصناعية والبيئية تدفع إلى إقامة لجان تفتيش مشتركة أو فتح باب للتحكيم الدولي أكثر صرامة. أما السيناريو الثالث، فتقوية الثنائي الأمريكي البريطاني. ففي حال نجحت آليات التسوية، ينقل تحالف (واشنطن - لندن) تجارب موحَّدة إلى مفاوضات مع الهند وأمريكا اللاتينية، مقربًا بين مسارات التجارة الحرة ومشاريع البنية التحتية المشتركة. وفي تقديري: فإنَّ سيناريو تقوية الكتلة التجارية البريطانية الأمريكية أقرب إلى التحقُّق، في ظلِّ تاريخ العلاقات الاقتصادية التجارية والسياسية المتشابك بين البلدين. الخلاصة: الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في يونيو 2025م أعادت تشكيل تحالف (واشنطن - لندن) كأحد أكبر التكتُّلات التجارية العالمية، مع خفض تدريجي للتعريفات الجمركية وتيسير آليات تسوية المنازعات بطريقة توازن بين المرونة والمصالح الإستراتيجية؛ فالديناميات الثنائية شملت تعاونًا وتنافسًا في قطاعات الزراعة والأغذية، والخدمات الرقمية والتكنولوجيا، والمعايير البيئية، ما يعكس سعي الطرفين إلى الاستفادة من مزايا الشريك دون التنازل عن قدرات السوق التنافسية. فالسيناريوهات المستقبلية تتراوح بين اندماج إقليمي يشمل كندا وأستراليا لتقليل الاعتماد على أي طرف واحد، وتصادم متكرِّر حول المواصفات الصناعية والبيئية يدفع إلى تعزيز لجان تفتيش وتحكيم أكثر صرامة، أو توسيع نطاق نموذج (واشنطن - لندن) ليشمل شركاء جددًا في آسيا وإفريقيا. المصادر: مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية اقتصاد الشرق حابي المصري اليوم الجزيرة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الكلمات المفتاحية: الاتفاقية التجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة – الحرب التجارية – القوى الاقتصادية الكبرى – التنافس التجاري – الرسوم الجمركية – الكتلة التجارية الأمريكية البريطانيةالكلمات المفتاحية
الاتفاقية التجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدةالحرب التجاريةالقوى الاقتصادية الكبرىالتنافس التجاريالرسوم الجمركيةالكتلة التجارية الأمريكية البريطانية