عودة التجارب الصاروخية.. هل تتحوَّل حرب أوكرانيا إلى حرب نووية بين روسيا والغرب؟

في خطوة خَطِيرةٍ ربما تَقْلِبُ موازينَ القوةِ وتُشعِلُ التوتراتِ النوويةَ بين القوى الكبرى، حيث ارتفعتْ نبرةُ التصريحاتِ بين الرئيسَيْن ترامب وبوتين حول استئناف التجارب الصاروخية؛ نتيجةَ استمرارِ الحربِ في أوكرانيا. فقد ألمحَ الرئيسُ الروسيُّ إلى احتمال مراجعة موقف بلاده من حظر التجارب النووية، وذلك ردًّا على تصريحات للرئيس ترامب التي تشيرُ إلى نيَّةِ واشنطن استئنافَ هذه التجارب.
على ما يبدو أنَّ استمرارَ الحرب الأوكرانية سيؤدي إلى الصدام المرتقب في الشرق الأوروبي، حيث تواجدُ قوات حلفِ شمالِ الأطلسي "الناتو"، وقد يُحوِّلُ المعركةَ من حربٍ وصراعِ نفوذٍ لقيادة العالم بين روسيا والغرب إلى حرب نووية بين أكبر قوتين عظميين نوويتين.
في هذا التقرير بمركز "رواق" للأبحاث والدراسات، سوف نتوقف عند عدة نقاط، لا سيَّما في ظل تصاعد الخلاف وحِدَّة التصريحات بين ترامب وبوتين حول استئناف التجارب الصاروخية، وهي:
- هل تتحول حرب أوكرانيا إلى حرب نووية بين روسيا والغرب؟
- قواعد الحرب تتغير وروسيا تُهدِّد.. ماذا بعد؟
- سيناريوهات قيام حرب نووية مُدمِّرة.
- لماذا يريد ترامب استئناف التجارب النووية؟
- تفاصيل مشروع مانهاتن 1942 وكارثة هيروشيما.
- أبرز سيناريوهات المرحلة المقبلة في ظل الحرب الأوكرانية.
بدايةً: التجارب النووية وتاريخها المرير:
نقول: إنَّ التجارب النووية هي اختبارات تُجرَى لتقييم أداء الأسلحة النووية وآثار انفجاراتها، وقد حدثت في أماكن مختلفة سابقة مثل الجو، وتحت الماء، وتحت الأرض، لكن قد تسبَّبَتْ هذه التجارب الخَطِيرةُ في حوادث جَمَّةٍ وجسيمة مثل التأثيرات الصحية والإشعاعية والحرارية والزلزالية. ولنا فيما فعلتْهُ أمريكا باليابان، النموذج المرير، حيث عندما قصفتِ الولايات المتحدة، مدينة هيروشيما اليابانية بالقنبلة الذرية في 6 أغسطس 1945، وهو أول استخدام لسلاح نووي في الحرب.
وهو ما أدى إلى دمار واسع النطاق، قَتَلَ عشراتَ الآلاف من الأشخاص الأبرياء على الفور، ثم ارتفع العدد لاحقًا بسبب الإشعاع. وبعد ذلك لحظرها بسبب ما خلَّفتْهُ من دمار شامل، تم تبني "معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية" في عام 1996، والتي تمنع التفجيرات النووية في كل مكان، على الرغم من أنَّ بعض الدول لم تُصادق عليها حتى الآن.
بوتين يتهم الغرب بممارسة ابتزاز نووي ضد موسكو:
اتهم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطاب سابق، الغرب بممارسة ابتزاز نووي ضد موسكو، لافتًا إلى أنَّ الحديث لا يدور حول مجرد دعم الغرب لأوكرانيا في قصف محطة الطاقة النووية في زابوروجيا، الذي يهدد بكارثة نووية، بل يَخُصُّ بعض التصريحات من مسؤولين رفيعي المستوى في بعض دول الناتو، حول إمكانية استخدام سلاح الدمار الشامل ضد روسيا.
ويُهدِّدُ بوتين بالقول: لمن يُطلقُ مثل هذه التصريحات، على خلفية الصراع في أوكرانيا، أودُّ تذكيرهم بأنَّ بلادنا كذلك تَمْلِكُ أسلحة دمار شامل، وفي بعض أجزائها أكثر تطوُّرًا من نظيراتها لدى دول الناتو، وأيُّ تهديدات لوحدة أراضينا أو سيادتنا نحن قادرون على استخدام هذه الأسلحة، وهذا ليس خداعًا. وأردف بوتين: أولئك الذين يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية يجب أن يعلموا أنَّ الرياح قد تنعكس وتَهُبُّ في اتجاههم.
وأثارت هذه التصريحاتُ التساؤلات حول احتمالية استخدام روسيا السلاح النووي في حرب أوكرانيا، وحدود هذا الاستخدام، وكذلك ردَّ فعل الولايات المتحدة أو حلف "الناتو" على ذلك.
أصدر الرئيس الروسي بوتين تعليماتِه إلى كلٍّ من وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والأجهزة الأمنية الروسية بجمع المعلومات بشأن الملف النووي وتقديم مقترحات له مرتبطة بالبداية المحتملة للتحضيرات لإجراء اختبارات للأسلحة النووية، الأمر الذي يُنذِرُ بالخطر حول احتمالية الصدام النووي بين روسيا وأمريكا (دويتش فيله).
وقال الرئيس الروسي: أوَجِّهُ وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والأجهزة الخاصة والهيئات المدنية ذات الصلة ببذل كل ما في وسعها لجمع معلومات إضافية حول هذه المسألة، وتحليلها في مجلس الأمن القومي، وتقديم مقترحات متفق عليها بشأن إمكانية بدء العمل على التحضير لتجارب الأسلحة النووية.
رغم هذا التصعيد الخَطِيرِ والمُقْلِقِ لدى المجتمع الدولي؛ إلا أنَّ بوتين أكد أنَّ روسيا لا تزال ملتزمة بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، لكنه حذَّر في الوقت ذاته من أنَّ بلاده ستردُّ بالمثل إذا خرقتِ الولايات المتحدة الأمريكية أو أيُّ قوة نووية أخرى هذه المعاهدة.
وبناءً على ذلك: قال وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف خلال اجتماع مع بوتين إنَّ التصريحات والإجراءات الأخيرة من جانب الولايات المتحدة تعني أنه من المستحسن الاستعداد لإجراء تجارب نووية على نطاق واسع على الفور.
وأضاف بيلوسوف أنَّ موقع نوفايا زيمليا في القطب الشمالي، المخصص للتجارب النووية، يمكن أن يستوعب مثل هذه التجارب في غضون فترة قصيرة (دويتش فيله).
لماذا يريد ترامب استئناف التجارب النووية؟
أعلن الرئيس ترامب بشكل مفاجئ يوم الخميس الأخير من شهر أكتوبر، أنه أمر الجيش الأمريكي بإجراء تجارب أسلحة نووية على قَدَمِ المساواة مع الدول الأخرى التي زعم بامتلاكها برامج مماثلة، وأضاف ترامب على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "Truth Social" أنَّ هذه العملية ستبدأ فورًا.
وأفادت تقارير إعلامية أمريكية، بأنَّ الإعلان كان مفاجئًا حتى لبعض مستشاري ترامب، وأربكَ إدارته بعد 33 عامًا من توقف هذه التجارب.
وفي المقابل: علَّق المندوب الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف قائلًا: إنَّ قرار ترامب يُثير تساؤلات جدية ويتطلب توضيحات إضافية، مُضيفًا أنَّ الدول الأخرى التي تمتلك أسلحة نووية لا تُجري انفجارات اختبارية نووية محظورة بموجب معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.
وأوضح الدبلوماسي الروسي أنَّ روسيا كانت تختبر مؤخرًا وسائل إيصال وليس أجهزة انفجار نووي، مشيرًا إلى أنَّ هذه الاختبارات لا علاقة لها بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية بين الدول، فهل يتخلى العالم عن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ويعود مُجدَّدًا للتسليح والسباق النووي؟ (دويتش فيله).
قواعد الحرب تتغير وروسيا تُهدِّد.. ماذا بعد؟
لأول مرة منذ اندلاع الحرب، أطلقت روسيا صاروخًا باليستيًّا عابرًا للقارات باتجاه أوكرانيا ردًّا على استخدام الأخيرة لصواريخ أمريكية وبريطانية ضد عمق روسيا، بموافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
الصاروخ العابر للقارات من طراز "RS-26 Rubezh"، انطلق من منطقة أستراخان في الصباح باتجاه دنيبرو في أقل من 5 دقائق (روسيا اليوم).
ويشير تحليل صور الهجوم إلى أنَّ صاروخ "RS-26" كان يحمل ستة رؤوس حربية مستقلة، كل منها يَنشرُ عدة ذخائر صغيرة، وحزمة الرؤوس الحربية هذه مخصصة حصريًّا للهجوم التقليدي، ويمكن لكل واحد منها أن يكون نوويًّا.
ومن خلال الكشف عن هذا الصاروخ، تُغيِّر روسيا الطبيعة النوعية للصراع، فالصاروخ الذي يزن 40-50 طنًّا، هو قادر على الطيران لمسافة تزيد على 9 آلاف كيلومتر.
ويتعيَّن على أوكرانيا وحلفائها الغربيين الآن تقييم الإمكانات التدميرية لهذا السلاح، وفهم أنَّ روسيا قادرة على إيصال هذا الرأس الحربي إلى أيِّ هدف في أوكرانيا أو أوروبا وهي تعلم أنه لا يوجد دفاع ضده.
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قالت إنَّ سماح الغرب لكييف بإطلاق صواريخ بعيدة المدى على العمق الروسي، يُثبتُ أنه لم يعد بحاجة إلى أوكرانيا وتخلى عنها.
وبالتالي وفقًا لمسؤولين روس، إنه لا يَهُمُّ كم عدد الصواريخ بعيدة المدى التي تُرسل إلى أوكرانيا، فهذه وحدها لن تُغيِّر أيَّ ديناميكية في ساحة المعركة فقد خسرت كييف الحرب، وأنَّ المخاطرة بتوسيع الحرب من خلال السماح باستخدام أسلحة بعيدة المدى ضد روسيا هي مجازفة متهورة إلى أقصى حد، خاصة وأنَّ هذا لا يحقق أيَّ فائدة عسكرية، بل إنَّ هذا يشكل خطرًا إستراتيجيًّا كبيرًا يتمثل في الانجرار إلى حرب قد تكون نووية.
في ظل ذلك التطور، بينما يعود الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى لغة التهدئة، مؤكدًا أنه لا يمكن استعادة شبه جزيرة القرم إلا من خلال الدبلوماسية، حيث أضاف زيلينسكي في مقابلة مع "فوكس نيوز" أنَّ بلاده لا تستطيع تحمُّلَ خسارة عدد الأرواح اللازم لاستعادة هذه المنطقة بالوسائل العسكرية (روسيا اليوم).
وبالتالي: يرى عسكريون، أنَّ روسيا اليوم باتت قادرة على إيصال الصاروخ الجديد لأيِّ هدف داخل أو خارج أوكرانيا، مما يعني أنَّ موسكو تقول للجميع إنَّ لديها خيارات متعددة، بغض النظر عن الضربة النووية التكتيكية، وفي الوقت نفسه فإنَّ روسيا كانت تنتظر دخول ترامب للبيت الأبيض وبداية مفاوضات حقيقية.
على ما يبدو أنَّ القرار الأمريكي الذي سمح لأوكرانيا باستهداف العمق الروسي هو بمثابة قنبلة نووية ثالثة ترميها واشنطن على كييف، بعد هيروشيما وناغازاكي، ومن غير المستبعد أنَّ هذا القرار قد يُدخل العالم في مرحلة تصعيد خَطِيرةٍ؛ لذا نجد أنَّ درجة الخطورة والقلق قد ارتفعت في بين أوروبا.
مشروع مانهاتن 1942 وكارثة هيروشيما:
في ثلاثينيات القرن الماضي، اكتشف العلماء الألمان عملية الانشطار النووي، ومع حلول الحرب العالمية الثانية كان النظام النازي يسعى إلى تطوير قنبلة ذرية. بلغت الأنباء دول الحلفاء، فحذَّر علماؤها من العواقب: "هتلر المتعطش للغزو، إذا ما وقع السلاح النووي بين يديه، لن يتردد في تدمير خصومه". فَزِعَ الأمريكيون، فدخلوا في سباقٍ مع الزمن، لإجهاض مساعي الزعيم الألماني، حتى نجحوا باستهداف منشآته النووية، وبدؤوا في تطوير برنامجهم الخاص.
وسرعان ما أطلقت إدارة فرانكلين د. روزفلت مشروع مانهاتن النووي، وبحلول يوليو 1945، نجح أول اختبار للقنبلة النووية في موقع يبعد حوالي 200 كيلومتر جنوب ولاية نيو مكسيكو، وفي الشهر التالي كانت تلك القنابل تَدُكُّ اليابانيين الأبرياء في هيروشيما وناغازاكي، لتنتهي بذلك تراجيديا الحرب العالمية الثانية.
لقد كان مساء الثاني من أغسطس عام 1945، هادئًا في هيروشيما المطلة على بحر سيتو، السماء صافية، والسكان يمارسون حياتهم الاعتيادية. لم تكن المدينة ساحة حرب، لكنها كانت مركزًا صناعيًّا وعسكريًّا مُهمًّا؛ ولهذا أرادت الولايات المتحدة إحداث أكبر تدمير ممكن، ودفع الإمبراطورية اليابانية إلى الاستسلام.
آنذاك، اتخذ الرئيس الأمريكي هاري ترومان القرار بتنفيذ العملية وضح النهار، في الساعة الثامنة والنصف صباحًا بالتوقيت المحلي، حيث ألقى الطيارون الأمريكيون "Little Boy" "الطفل الصغير" وهو الاسم الذي أُطلق على تلك القنبلة النووية، فلم تكن صغيرة ولا بريئة كطفل، كانت زلزالاً غير متوقع وشرًّا انقضَّ على المدينة بلمحة البصر، حيث سُحقت الأبنية كأنها رمال، وانقلبت الحياة إلى رماد وموت (سكاي نيوز).
وخطفت الضربة النووية حياة 80 ألف إنسان في نفس اللحظة، ولحقهم 60 ألفًا بفعل الإشعاع الذي فاق سطوعه ألف شمس -كما يُقال-.
القنابل النووية والذرية.. ما الفرق بينها؟
استخدمت الولايات المتحدة ضد اليابان قنبلتين نوويتين ذريتين هما "Little Boy" التي استهدفت هيروشيما وتعتمد على انشطار اليورانيوم، و"Fat Man" التي ضربت ناغازاكي وتعتمد على انشطار البلوتونيوم.
ويُعرِّفُ علماء نوويون، القنبلة الذرية بأنها سلاح يعتمد على الانشطار النووي لعنصر ثقيل مثل اليورانيوم أو البلوتونيوم، بينما تشمل القنبلة النووية جميع أنواع الأسلحة التي تستخدم الطاقة النووية، بما في ذلك القنابل الذرية والهيدروجينية، ولذلك، كل قنبلة ذرية هي قنبلة نووية، لكن ليست كل القنابل النووية ذرية (الشرق بلومبرج).
أما القنبلة الهيدروجينية، التي طُوِّرت في فترة لاحقة، فتعمل من خلال الاندماج النووي، وهي أكثر تدميرًا من القنابل النووية التقليدية التي تعتمد على الانشطار. ومثالاً على ذلك، فإنَّ القنبلة التي ضربت هيروشيما كانت تعادل نحو 15 كيلوطن من مادة "TNT"، بينما بعض القنابل الهيدروجينية يمكن أن تصل قوتها إلى ميجا طن، أي: مليون طن أو أكثر من TNT .
عندما شعر روبرت أوبنهايمر -"أبو القنبلة الذرية" والعقل المدبر لمشروع مانهاتن النووي، وهو عالم أمريكي من أصل ألماني يهودي، وأحد أبرز فيزيائيي الولايات المتحدة في القرن العشرين- بالذعر من القدرة التدميرية لهذه الأسلحة التي كان له المساهمة الأكبر بتطويرها. وبعد إبادة هيروشيما وناغازاكي، يُقال: إنه لاحقه الشعور بالذنب طيلة حياته.
وفي العام 1949، أوصت اللجنة الاستشارية للطاقة الذرية التي ترأَّسها بعدم بناء قنبلة هيدروجينية، ذلك أنَّ قوة انفجارها ستفوق ألف مرة قوة القنبلة الذرية. إلا أنَّ هذا الموقف خلق له الكثير من الأعداء السياسيين، ودفع ثمنه شخصيًّا ومهنيًّا خلال ما تبقى من حياته، فباعتباره شيوعيًّا سابقًا، جعلته المشاعر المعادية للشيوعية التي ارتبطت بمكارثية ذلك العصر، مُتَّهَمًا بالعمالة للسوفييت وهدفًا لمضايقة الاستخبارات الأمريكية، ليتم إبعاده عن كافة المشاريع النووية الحكومية.
سباق التسليح النووي بعد الحرب العالمية الثانية:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، انطلقت العديد من البلدان في سباق محموم لامتلاك السلاح النووي، حاول بعضها، لكنه فشل، بينما نجح آخرون (الشرق بلومبرج).
وفي نهاية المطاف، امتلكت 9 دول حول العالم أسلحة نووية، هي: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية، وإسرائيل؛ كما تستضيف ألمانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، وهولندا، وتركيا، رؤوسًا نووية أمريكية تتحكم بها واشنطن.
أما اليوم: تُقدَّر المخزونات النووية للدول مجتمعة بنحو 13 ألفًا و500 رأس نووي، يملك الروس والأمريكيون 90% منها، بينما تتفوق روسيا على أمريكا في العدد.
في ذروة الحرب الباردة مطلع ثمانينيات القرن الماضي، قُدِّرَ عدد الرؤوس النووية في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي مجتمعَيْن بحوالي 60 ألف رأس نووي، حيث كانت الدولتان العُظمَيَان تتنافسان على تطوير ترسانات نووية ضخمة كجزء من إستراتيجيات الردع.
ومع مرور الوقت، انخفض العدد إلى حد كبير، بفعل معاهدات الحد من انتشار الأسلحة، وتغيُّر الإستراتيجيات، والضغط الدولي، مما أدى إلى خفض التهديد بنشوب حرب نووية؛ إلا أنَّ تقريرًا نشره مركز "راند" للأبحاث عام 2016، بعنوان "الإنذارات الكاذبة، أخطار حقيقية"، قد حذَّر من مغبَّة وقوع صراع نووي غير متعمد بين الولايات المتحدة وروسيا، نتيجة خطأ في تأويل حدث ما، كالمناورات التدريبية أو الأعطال التقنية أو الظواهر الطبيعية، بحيث يبدو الإنذار مؤشرًا على استفزاز أو هجوم نووي.
لدى كلا البلدين أنظمة للإنذار بوقوع هجمات صاروخية، تشمل الأقمار الاصطناعية والرادارات، غير أنَّ هناك ثغرة خَطِيرةً في أجهزة استشعار النظامَيْن، وهي أنها قد تكون عرضة لإنذارات كاذبة. فإذا ما بدا أيُّ مؤشر على وقوع هجوم مُقنعًا بما يكفي، يتم الاتصال بالقادة وإطلاعهم على الموقف، ثم يكون عليهم اتخاذ قرار الرد بإطلاق صواريخهم أو عدم إطلاقها (الشرق بلومبرج).
حوادث سابقة كادت تُشعِلُ حربًا نووية:
في 1979 وقعت حادثة في الولايات المتحدة أظهرت بوضوح خطورة الإنذارات النووية الكاذبة. وفي 9 نوفمبر من ذلك العام عرضت أجهزة الحاسوب في نظام الإنذار المبكر للقيادة الفضائية الأمريكية (NORAD) شريط تدريب بشكل غير متعمد، أشار إلى وجود هجوم صاروخي سوفييتي كبير ضد الولايات المتحدة؛ مما أدى إلى حالة من الذعر والارتباك في القيادة العسكرية الأمريكية (الشرق بلومبرج).
لكن لحسن الحظ، تم اكتشاف الخطأ بسرعة. وبعد عام واحد فقط تكرر سيناريو مشابه، نظام (NORAD) نفسه تلقى إنذارًا كاذبًا بهجوم سوفيتي، تم رفع حالة التأهب، قبل أن يتبيَّن سريعًا أنه خلل في النظام.
وفي 1983، أوشك العالم أن ينزلق إلى مواجهة نووية كبرى، عندما أعطت منظومة الإنذار السوفيتي المبكر بلاغًا كاذبًا بهجوم 5 صواريخ نووية أمريكية؛ إلا أنَّ حُسنَ تصرف الكولونيل الروسي ستانيسلاف بيتروف حال دون الرد الانتقامي الفوري. الغريب والطريف، أنَّ سبب الإنذار الكاذب، لم يكن سوى انعكاس ضوء الشمس على السحب، والذي فُسِّرَ بشكل خاطئ على أنه صواريخ نووية عدائية.
حادثة أخرى وقعت عام 1990، حينما رصدت الأقمار الصناعية الأمريكية انفجارًا هائلًا فوق المحيط الهادئ، ظنَّت بدايةَ الأمر أنه هجوم نووي محتمل، لكن بعد المراقبة والتحليل، ظهر أنَّ الانفجار ناتج عن سقوط نيزك كبير واحتراقه داخل الغلاف الجوي للأرض.
وبالتالي: فقد تكررت حوادث الإنذارات الكاذبة في السنوات اللاحقة، ورغم التعامل معها بحكمة، إلا أنها كشفت مكامن الضعف في هذه الأنظمة، مما يشير إلى أنه يمكن اندلاع حرب نووية؛ نتيجة خطأ تقني أو بشري، وهو أمر مُحتَمَلٌ بشدَّة (الشرق بلومبرج).
شبح الخطر النووي يُطِلُّ من جديد وطبيعة الوضع الحالي:
إنَّ تطور الأوضاع مُقْلِقٌ ينذر بخطر داهم في ظل إعطاء ترامب في خطوة غير مدروسة أمرًا باختبار بعض الصواريخ والأسلحة النووية، لا سيَّما أنَّ هناك 9 دول لديها أكثر من 13 ألف رأس نووي معظمها لدى روسيا والولايات المتحدة، وبالتالي فلا يجب المراهنة على الدخول في حرب نووية لأنها قد تشتعل في أيِّ لحظة عابرة أو استفزاز غربي لروسيا أو العكس (روسيا اليوم).
اليوم، وبعد نحو 80 عامًا، يُطِلُّ شبح الخطر النووي من جديد، حيث يخشى العالم من تصعيد مفاجئ في أوكرانيا، بينما يقول المسؤولون إنَّ الحرب الروسية تدخل أحلك مراحلها، وهو ما قد يُفضي إلى مصير حتمي وخَطِيرٍ نحو المواجهة النووية التي تسير إليها البشرية.
إنَّ فتح الصراع المسلح في أوكرانيا قد يؤدي إلى فتح أبواب الجحيم على العالم، لا سيَّما أنه قد مضى أكثر من عامين ونصف العام على الحرب، بدأ الصبر يَنفَدُ لدى روسيا، وفي المقابل تقود واشنطن، الغرب الذي يدفع بأسلحته وأمواله لنجدة حليف يطلب النجدة.
وهو ما يزيد الأمر توترًا، قد يكون السلاح النووي حلاً لدى بعض الأطراف إذ ما فَرَغَتِ الحلول، فقد هدَّد بوتين بصوت هادئ وحاسم، قُرع ناقوس الخطر منذ حين، ليست المرة الأولى التي يتم التلويح فيها بالورقة النووية، لكن اللهجة هذه المرة بدت أشد عزمًا وحِدَّة، إذ لا هزيمة، على ما يبدو، في قاموس سيِّد الكرملين (روسيا اليوم).
من المرجح عندما يتدخل الناتو في المواجهة مع روسيا، يمكن تصور سيناريو مثلاً أن ترسل بولندا قوات إلى أوكرانيا لا سيَّما في ظل الحدود معها حتى وإن رفضت دول مثل: ألمانيا والولايات المتحدة، ومن ثم ليس مستبعدًا أن نجد حلف الأطلسي في أوكرانيا يُقَاتِلُ روسيا مُجْبَرًا.
وبالنظر ووفق عسكريين فإنَّ قوة الحلف الجوية سيكون لها تأثير مُدمِّر على القوات الروسية، وهو ما قد يدفع موسكو لاستخدام الأسلحة النووية.
السيناريو الأخطر يكمن في أنَّ الرئيس بوتين قد أعرب بوضوح عن قلقه من الأسلحة ذات المدى الطويل التي ترغب بريطانيا والولايات المتحدة في إرسالها إلى أوكرانيا، مما قد يكون له التأثير العسكري الذي لو ضُرِبَتْ في العمق الروسي، كردٍّ على الهجمات الروسية المُدَمِّرةِ في أوكرانيا، لكن ذلك قد يستدعي استجابة ربما تكون نووية.
في 26 سبتمبر، استعرض الزعيم الروسي خلال اجتماع مع مستشاريه وثيقة تعديلات على العقيدة النووية التي تحدد ظروف استخدام هذا السلاح، حيث أنَّ المبدأ الأساسي لاستخدام الأسلحة النووية، هو إجراء استثنائي للدفاع عن سيادة البلاد. حيث يرى بوتين أنَّ الوضع العسكري والسياسي الحالي يتغير بشكل ديناميكي، ويجب أخذ روسيا ذلك بعين الاعتبار، بما في ذلك ظهور مصادر جديدة للتهديدات والأخطار العسكرية لروسيا وحلفائها.
حيث قد صرَّح رجل الكرملين بالقول: "سنأخذ بالاعتبار هذا الاحتمال، بمجرد أن نتلقى معلومات موثوقة حول إطلاق مُكثَّف لوسائل الهجوم الفضائية واجتيازها لحدودنا، بما في ذلك الطائرات الإستراتيجية أو التقنية، وصواريخ كروز، والصواريخ الأسرع من الصوت، والمسيَّرات، وغيرها من الطائرات، سنحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية في حالة العدوان على روسيا، وبيلاروس الحليفة لموسكو" (سكاي نيوز).
ومع ذلك التهديد والتلويح القريب من استخدام أسلحة نووية بين الغرب وروسيا، إلا أنَّ هناك احتمالات ولو ضعيفة في استخدام روسيا للسلاح النووي، وذلك إلا في حال تعرضت موسكو إلى تهديدات وجودية فقد تضطر فيها روسيا لاستخدام الأسلحة النووية، أو في حال شعرت روسيا بأنها سوف تخسر الحرب، أو إذا تدخل الناتو وقلب موازين القوة.
إنَّ عتبة المواجهة النووية تتشابه تمامًا لما كانت عليه التهديدات خلال الحرب الباردة، أي: إنه إذا خسرت دولة نووية شيئًا مهمًّا أو تعرضت لضغوط استفزازية، فإنَّ البديل سيكون هو استخدام الأسلحة النووية، وهذا يضع الغرب أمام معادلة غير مرضية في أوكرانيا، حيث كلما تحسن أداء الجيش الروسي، انخفضت احتمالية استخدامه الأسلحة النووية، وكلما تدهور أداء الجيش الروسي، زادت احتمالية استخدام الأسلحة النووية.
قد تبدو الحرب النووية مجرد مبالغات لإثارة الرعب ونشر الفزع، لكن بالطبع يراها آخرون تهديدًا وجوديًّا للبشرية جمعاء، في كلتا الحالتين، من الواضح أنَّ هذه القضية تَمَسُّ العالم أجمع، ومَعْنِيٌّ بها جميعنا نحن سكان الأرض (سكاي نيوز).
التصرفات الأمريكية ودلالتها وما تحمله من رسائل:
بالرغم من تردد إدارة ترامب في إمداد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى، خشية تصعيد الحرب إلى مستويات خَطِيرةٍ مع روسيا، إلا إنه في العاشر من سبتمبر، قد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنَّ إدارته تعمل على هذه المسألة، حين سُئل عن احتمال رفع القيود المفروضة على استخدام كييف لصواريخ مثل "أتاكمز" التي تستطيع الوصول إلى العمق الروسي.
وسرعان ما حذَّر الكرملين من مغبَّة هذه الخطوة، واعتبر بوتين أنَّ منح أوكرانيا مثل هذه الصواريخ يعني أنَّ دول "الناتو" ستكون في حالة حرب مع روسيا، وقال بوتين آنذاك: "لا يتعلق الأمر بالسماح للنظام الأوكراني بضرب روسيا بهذه الأسلحة أم لا، بل يتعلق بشأن ما إذا كانت دول الناتو متورطة بشكل مباشر في الصراع العسكري أم لا" (سكاي نيوز).
ويرى بوتين إذا تم اتخاذ مثل هذا القرار من قبل الغرب، فسوف يساهم ذلك في تغيير جوهر الصراع وطبيعته، وهذا يعني ببساطة أنَّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية يشاركون بشكل مباشر في الحرب داخل أوكرانيا.
لذلك، فقد كرر الرئيس الروسي في أكثر من مناسبة أنَّ الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي من قبل، لكن منذ بدء الحرب الأوكرانية عام 2022، لوَّح مرارًا بالسلاح النووي، وازدادت الشكوك حول تهديداته بعد إعلانه تعديل العقيدة النووية.
وهنا نقول: إنَّ تصرفات الغرب بقيادة واشنطن، من السهل جدًّا أن تؤدي إلى اندلاع مواجهة نووية، وهو السيناريو الأكثر احتمالاً حاليًّا هو نوع من التصعيد بين الناتو وروسيا، خصوصًا أنَّ الأمريكيين كانوا غير واقعيين للغاية بشأن قدرة أوكرانيا على تحقيق النصر في الحرب، متجاهلين حقيقة أنها تخوض حرب استنزاف، ولا يمكنها التنافس مع بلد مثل روسيا يمتلك الكثير من المدفعية والقوى البشرية.
لذلك تشير تقارير أمريكية وغربية إلى احتمالية كبيرة في انهيار الجيش الأوكراني أمام روسيا، وتتقدم روسيا إلى غرب أوكرانيا، ومن ثم يجد الناتو نفسه مائلاً إلى التدخل بطريقة ما في الحرب المباشرة مع روسيا.
الردود الروسية وما تحمله من رسائل:
يرى خبراء أنَّ استفزاز روسيا قد يدفع إلى حرب نووية وشيكة، حيث تحدثت بعض التقارير عن بعض الدوافع والسيناريوهات التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع صراع نووي محتمل، حيث الأول في حالة الإنذار الكاذب الصادر عن أيِّ نظام للإنذار المبكر، والثاني تصعيد أيِّ صراع تقليدي قرب روسيا، أي في أحد بلدان الاتحاد السوفييتي سابقًا، أو أيِّ بلد حليف وقريب منها، أو أيِّ منطقة قريبة تَمَسُّ بعمق مصالح أمنها القومي. أما السيناريو الثالث، فيتمثَّل في إشارة كاذبة بهجوم نووي تصدر عن منظومة الصواريخ الروسية المسماة "اليد الميتة"، وهي نظام آلي يسمح بإطلاق نووي دون رقابة أو أوامر آنية من القيادة.
وبينما يؤدي سيناريو الإنذار الكاذب في أيِّ نظام إلى إطلاق سلاح نووي من قبل القوات الأمريكية أو الروسية على السواء، فإنَّ كلا السيناريوهين الآخرين يقتصران على احتمال إطلاق نووي من قبل القوات الروسية فقط.
ويُشيرُ تقرير إلى أنَّ نظام الإنذار المبكر الروسي شهد تدهورًا كبيرًا منذ الحرب الباردة، حيث وقف عند مستوى مُتَدَنٍّ في نطاق تغطيته.
وحتى وقت قريب نسبيًّا، كانت روسيا تقوم بتشغيل 3 أو أكثر من أقمار الإنذار المبكر الاصطناعية في مدار إهليلجي مرتفع حول الأرض، وقمر اصطناعي وحيد في مدار ثابت بالنسبة للأرض، لكن اعتبارًا من نوفمبر 2015، لم يعد لدى روسيا، ضمن منظومة الإنذار المبكر، سوى قمر اصطناعي واحد عامل في المدار الإهليلجي المرتفع حول الأرض، وبدون أيِّ أقمار اصطناعية في المدار الثابت بالنسبة للأرض.
هذا الوضع، وفقًا لتقرير دولي، يُقَلِّلُ من احتمال طمأنة القادة الروس بشكل مستمر بعدم وقوع ضربة أمريكية، ويزيد الأخطار المرتبطة بتقدير التهديدات النووية.
سيناريوهات مُحتَمَلة ومستقبل الصراع الروسي الأوكراني:
إنَّ هناك العديد من الأمثلة التاريخية التي تشير إلى احتمال وقوع حوادث نووية، ومنها أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 التي كانت على وشك الانفجار، وذلك عندما وقف العالم 13 يومًا على مرمى حجر من حرب نووية تلك التي كانت ستعصف بالبشرية وتدفع بالحياة على الأرض نحو المجهول.
حيث اُعتبرت آنذاك أنها أخطر مواجهة بين قوتين عظميين تعود جذورها إلى موازين القوى السياسية والعسكرية التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية.
إنَّ المواجهة كانت بين المعسكر الشيوعي الذي يتزعمه الاتحاد السوفييتي، والليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار الحرب الباردة (1947-1991)، حيث سعت الدولتان إلى التنافس على بسط هيمنتهما الأيديولوجية والعسكرية على العالم بهدف تأمين مجالاتهما الحيوية.
لذلك، علينا ألا نُغفِل تحذيرات الخبراء ومنهم حتى علماء روس وأمريكان، من أنه بمجرد وجود دول متقدمة تكنولوجيًّا؛ مثل: روسيا وأمريكا، اللتين تخوضان حربًا تقليدية كما هو الحال الآن، فليس ببعيد أن يكون هناك صراع نووي؛ لأنَّ كلاهما ستكونان تحت ضغوط كبيرة، وتحت قلق بشأن امتصاص هجوم نووي، خاصة إذا كان الهدف هو نزع قدرات الآخر، وفي ذات الوقت، بات واضحًا أنَّ الطريقة التي تقاتل بها الولايات المتحدة ولو بشكل غير مباشر حتى الآن، تبدو كأنها مقدمة لهجوم نووي، حتى وإن كانت النيَّة فقط القتال بشكل تقليدي وليس نوويًّا.
الخلاصة:
- يبدو أنَّ استمرار الحرب الأوكرانية والصدام المرتقب في الشرق الأوروبي، خصوصًا في ظل تواجد قوات "الناتو" ربما قد يُحوِّلُ المعركة من حرب نفوذ بين روسيا وأمريكا إلى حرب نووية بين أكبر قوتين نوويتين حول العالم.
- تُقدَّر المخزونات النووية للدول التي تمتلك رؤوسًا نووية مجتمعة بنحو 13 ألفًا و500 رأس نووي، يملك الروس والأمريكيون 90% منها، بينما تتفوق روسيا على أمريكا في العدد، وهو ما قد يؤدي إلى انطلاق شرارة النووي في أيِّ لحظة غير متوقعة بسبب حرب الوكالة في أوكرانيا كما يصفها البعض وحتى بعض السياسيين في أمريكا.
- لقد بات واضحًا في ظل التهديد والتلويح الجاري بين أمريكا وروسيا، أنَّ هناك احتمالات في استخدام روسيا للسلاح النووي، وذلك في حال تعرضت إلى تهديدات وجودية فقد تضطر فيها روسيا لاستخدام الأسلحة النووية، أو في حال شعرت موسكو بأنها سوف تخسر الحرب، أو إذا تدخل الناتو وقلب موازين القوة حفاظًا على أوكرانيا من الانهيار.
- إنَّ سيناريوهات المواجهة النووية تتشابه تمامًا لما كانت عليه التهديدات خلال الحرب الباردة، أي إنه إذا خسرت دولة شيئًا مهمًّا أو تعرضت لضغوط استفزازية، فإنَّ البديل سيكون هو استخدام الأسلحة النووية، وهو ما يضع الغرب أمام معادلة غير مرضية في أوكرانيا، حيث كلما تحسن أداء الجيش الروسي، انخفضت احتمالية استخدامه الأسلحة النووية، وكلما تراجع أداء الجيش الروسي، زادت احتمالية استخدام الأسلحة النووية.
- ورغم التصعيد الخَطِيرِ والمُقْلِقِ لدى المجتمع الدولي، وفي ذات الوقت مخاوف واشنطن من استفزاز روسيا، فعلى الإدارة الأمريكية أن تبدأ بنفسها بدلًا من استئناف التجارب الصاروخية، وتدعو إلى الالتزام بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، لأنَّ البديل سيكون انفجارًا مُدمِّرًا يقضي على الأخضر واليابس هذه المرة، وليس مجرد تأثير عابر في دولتين نوويتين.
- بالأخير: إنَّ أمريكا وروسيا تخوضان حربًا تقليدية كما هو الحال الآن، ولكن الطريقة التي تدير بها الولايات المتحدة الأمريكية الحرب في أوكرانيا ولو بشكل غير مباشر، قد تؤدي إلى هجوم نووي، حتى وإن كانت النيَّة فقط هي القتال بشكل تقليدي، لأنَّ استمرار أمَدِّ الحرب يعني استمرارًا للنزيف والخسائر لكلا الطرفين، وسوف يُخْرِجُ الأمور عن السيطرة، وبالتالي وقوع حوادث نووية غير متوقعة لأحد.
المصادر: