خط أنابيب الغاز "تابي" في آسيا الوسطى والهند.. تعاون إقليمي مع حكومة طالبان واختبار لمستقبل السياسيات الإقليمية

تسعى دول منطقة آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية إلى تحقيق تعاون إقليمي يُحقِّق تنمية اقتصادية شاملة في الإقليم، في ظل ثراء المنطقة بالموارد الطبيعية والطاقية، التي يتزايد الطلب عليها خاصة في شبه القارة الهندية. ويُعَدُّ مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي "تابي" أحد محاولات التعاون الإقليمي في المنطقة؛ نظرًا لكونه مبادرة كبرى تهدف إلى نقل الغاز الطبيعي من تركمانستان إلى أفغانستان وباكستان والهند. ورغم ما يواجهه المشروع من تعقيدات وتحديات جيوسياسية، في ظل الاضطرابات التي عصفت بالإقليم منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي؛ تنظر العديد من الأوساط السياسية إلى مشروع "تابي" فرصة لبناء شراكات إقليمية وتحقيق تنمية اقتصادية وتعاون إقليمي أكبر مستقبلًا.
فمَا تفاصيل مشروع خط الغاز الطبيعي "تابي" في آسيا الوسطى؟ ومَا علاقة حركة طالبان في أفغانستان بالمشروع الإقليمي المشترك؟ وكيف يُعَدُّ المشروع فرصة لازدهار الاقتصاد الأفغاني؟ وكيف يُعَدُّ مشروع "تابي" بداية عملية لاختبار العلاقات الإقليمية في ظل خلافات وقضايا عالقة بين دول الإقليم؟ ومَاذا عن شكل العلاقات الإقليمية في ظل طرح مشروعات اقتصادية عملاقة أخرى في الإقليم؟
يُسلِّط مركز "رواق" للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر تحليلاته ودراساته المختلفة، الضوءَ على مشروع خط الغاز الطبيعي في آسيا الوسطى "تابي"، ودَوْرِه في تحقيق التنمية الاقتصادية في أفغانستان ورسم مستقبل العلاقات بين دول الإقليم، في هذه السطور الآتية.
تفاصيل مشروع خط الغاز الطبيعي "تابي":
تطمح عدة دول إقليمية في منطقة آسيا الوسطى والهند، إلى تنفيذ مشروع خط غاز طبيعي عملاق، يمتد من تركمانستان وحتى الهند مرورًا بأفغانستان وباكستان. لينقل الخط نحو 33 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًّا، في وقت تشهد فيه دول الإقليم محاولات جادة لإحداث تنمية اقتصادية مُوَسَّعة في بلدانها، انطلاقًا من تجارب الدول المجاورة للإقليم مثل الصين والهند، التي كان لها أثر بالغٌ في تحسين مؤشرات الأداء الاقتصادي للدولتين.
فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991م، واستقلال نحو 15 جمهورية سوفيتية من بينها تركمانستان، التي أخذت تتطلع نحو لَعْب دَوْر ريادي في سوق الطاقة العالمي، في ظل ما تمتلكه من موارد طبيعية وطاقية؛ إذ تمتلك تركمانستان أكثر من 20 مليار طن من احتياطيات النفط، وأكثر من 50 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي. وتأتي تركمانستان في المركز الرابع عالميًّا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكَّدة، بعد روسيا وإيران وقطر. لذا، تطلعت تركمانستان لاستغلال موارد الطاقة المتاحة لديها ولَعْب دَوْر محوري في المنطقة (اقتصاد الشرق).
حيث يُعَدُّ مشروع خط الغاز "تابي" من أكبر مشاريع الطاقة في المنطقة، وله أهمية اقتصادية كبيرة للبلدان المشاركة فيه، خاصة في ظل الحاجة إلى تأمين مصادر طاقة مستدامة وتنمية البنية التحتية. كما يُعَدُّ المشروع وسيلة لتعزيز التعاون الإقليمي والاقتصادي، إلى جانب توفير فرص عمل كبيرة في البلدان المعنية، وخاصة أفغانستان التي تأمل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال مثل هذه المشاريع.
وتعود فكرة المشروع إلى نحو 30 عامًا، ولكن الحروب وعدم الاستقرار في أفغانستان، إلى جانب الخلافات الهندية الباكستانية، حالت دون تنفيذه في السابق. وبعد سنوات من المفاوضات، تَمَّ توقيع اتفاقية عام 2016م بين رؤساء الدول المشاركة، الذين يأملون في أن يُسهِم المشروع في تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول المشاركة.
حركة طالبان ودَوْر إفريقيا في مشروع "تابي":
امتازت أفغانستان قديمًا بأنها كانت مفترق طرق الحضارات؛ فهي محطة مهمة على طريق الحرير الصيني القديم الذي ربط بين الصين وأوروبا عبر آسيا الوسطى، وهي كذلك همزة الوصل بين وسط آسيا وجنوبها. فوسط آسيا حيث الدول الغنية بمنابع الطاقة كالغاز والنفط، وجنوبها حيث تُعاني باكستان والهند نقصًا في الطاقة.
وتسعى أفغانستان إلى العودة لممارسة دَوْرها القديم في الإقليم، عبر المشاركة في تنفيذ مشروع خط الغاز الطبيعي "تابي"، الذي سيمتد بطول 1814 كيلومترًا، منها 816 كيلومترًا داخل الأراضي الأفغانية. ويشمل مروره ولايات هرات وفراه ونيمروز وهلمند وقندهار بالأراضي الأفغانية. ويُعَدُّ المشروع من أكبر مشاريع نقل الغاز بين وَسْط وجنوب آسيا، وتبلغ تكلفته الإجمالية 22.5 مليار دولار. ويهدف "تابي" إلى نقل 33 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا، ستحصل أفغانستان منها على نحو 500 مليون متر مكعب، فيمَا تتقاسَم الهند وباكستان الحصة المتبقية (الطاقة).
ويُتوقَّع أن يُوَفِّر المشروع آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في أفغانستان، كما سيعود عليها بعائدات سنوية تصل إلى نحو 450 مليون دولار كرسوم عبور. ومن المُخَطَّط أن يبدأ المشروع من حقل غاز "دولة أباد" في تركمانستان إلى كويتَا وملتان في باكستان، ثم إلى فازيلكا في الهند.
وأعلنت تركمانستان في ديسمبر 2015م، بَدْءَ بناء الجزء الخاص بها البالغ حوالي 214 كيلومترًا من خط الأنابيب، وجرى إطلاق مشروع بناء الجزء الأفغاني من خط الأنابيب في 23 فبراير 2018م، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى تَمَّ بَدْءُ التنفيذ في 11 سبتمبر 2024م. وبحسب المتحدث الرسمي لوزارة المناجم والبترول الأفغانية "همايون أفغان"، فقد تَمَّ اتخاذ جميع الاستعدادات للبدء بهذا المشروع الذي سيوفر فرص عمل لآلاف الأشخاص بشكل مباشر وغير مباشر، وأضاف أنه من المُتوقَّع أن يبدأ العمل فيه بشكل عملي، وستتمكن البلاد من الحصول على طاقة رخيصة ومستدامة (الجزيرة).
ورغم أن أفغانستان لا تزال تَرْزَحُ تحت وطأة عقوبات اقتصادية ومالية فرضها الغرب، مع وصول حركة طالبان المُصَنَّفة إرهابيًّا للحكم في كابول؛ تُحاول حكومة طالبان حاليًّا إعادة إطلاق مشاريع طموحة، خصوصًا في مجال الطاقة والمناجم والبنى التحتية، وتعمل على استكشاف الحقول النفطية لديها للنهوض باقتصادها المُتَعَثِّر جَرَّاء عدم الاستقرار الأمني. وبالتالي، يُعَدُّ المشروع اختبارًا حقيقيًّا لقدرة حكومة طالبان على المشاركة في تعاون إقليمي كبير بهذا الحجم، من شأنه أن يُسهِمَ في تنمية وازدهار اقتصاد البلاد.
الاقتصاد الأفغاني ومشروع خط الغاز الطبيعي تابي:
تُعاني أفغانستان من أزمات اقتصادية تعود لعقود مضت؛ حيث أدت الحرب السوفيتية في أفغانستان عام 1979م، وسلسلة الحروب الأهلية التي تلتها، إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية المحدودة في البلاد، وتعطيل الأنماط الطبيعية للنشاط الاقتصادي. وفي النهاية تحوَّل النظام الاقتصادي في أفغانستان من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد المُخَطَّط مَرْكَزِيًّا حتى عام 2002م، عندما استُبدل باقتصاد السوق الحرة.
وانخفض الناتج المحلي الإجمالي انخفاضًا كبيرًا منذ الثمانينيات؛ وذلك بسبب تعطُّل التجارة والنقل، بالإضافة إلى فقدان اليد العاملة ورأس المال. كما أن استمرار الصراع الداخلي، وسلسلة الحروب الأهلية والعنف المسلح الذي اجتاح البلاد، أعاق بشدة الجهود المحلية لإعادة بناء الدولة أو توفير سُبُل للمجتمع الدَّوْليِّ للمساعدة.
ووفقًا لصندوق النقد الدَّوْليِّ، نَمَا الاقتصاد الأفغاني بنسبة 20% في السنة المالية المنتهية في مارس من عام 2004م، بعد ازدياد بنسبة 30% في العام 2003م. ويُعزَى هذا النمو إلى المساعدات الدولية ونهاية موسم الجفاف. وقد ضُخَّ ما يُقدَّر بـ 100 مليار دولار من المساعدات إلى البلاد من عام 2002م إلى عام 2017م (العربية).
وأعاد صندوق النقد الدَّوْليِّ حساب ناتج محلي إجمالي قَدْرُه 4 مليارات دولار في السنة المالية 2003م إلى 6.1 مليار دولار، بعد إضافة عائدات منتجات الأفيون التي تُزرَع وتُباع على نطاق واسع في أفغانستان. وكان متوسط رواتب الخريجين 0.56 دولار لكل ساعة عمل في عام 2010م.
وأدت عودة طالبان إلى الحكم مؤخرًا إلى تعليق مؤقت للمساعدات الإنمائية الدولية. كما أوقف البنك الدَّوْليُّ وصندوق النقد الدَّوْليُّ المدفوعات خلال تلك الفترة. وفي هذا الصدد، صرَّح زعيم طالبان "هبة الله آخُند زادَة" أن اقتصاد الدولة يُبْنَى عندما يعمل شعبها معًا ولا يعتمدون على المساعدات الخارجية. وجُمِّدَت إدارة بايدن حوالي 9 مليارات دولار من أصول المصرف المركزي الأفغاني؛ وذلك لئلا تصل طالبان إلى تلك الأموال. كما تسببت الفيضانات الأخيرة والزلازل في زيادة سُوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وتُدْرِكُ حكومة طالبان الحالية، أن مشروع "تابي" لنقل الغاز من تركمانستان إلى الهند، سَيُمَهِّدُ الطريق نحو تعاون إقليمي أكبر من شأنه أن يرفع تصنيف الحركة من لوائح الإرهاب، ويُحَسِّنَ أداء الاقتصاد الأفغاني، في ظل افتقار البلاد لمشروعات تنموية حقيقية تُحَسِّنُ الظروف الاجتماعية المُتَرَدِّية، نتيجة لعقود من الصراعات. وتعكس تحركات حكومة كابول وتصريحاتها واتصالاتها مع الدول المشتركة في المشروع، جِدِّيَّة طالبان ومساعيها نحو تنفيذ خط "تابي" ولَعْب دَوْر إقليمي في المنطقة.
العلاقات الإقليمية والخلافات العالقة:
تشهد منطقة وَسْط آسيا وشبه القارة الهندية علاقات مُعَقَّدة يُهيمن عليها تاريخ من الصراعات الدامية؛ إذ إن العلاقات بين الهند وباكستان، التي سيصل إليها مشروع خط الغاز الطبيعي "تابي"، تشهد موجات من التصعيد بين حين وآخر، نتيجة للصراع على إقليمي جامو وكشمير في جَنُوب قارة آسيا، حيث تسيطر عليه ثلاث دول وهي باكستان والهند والصين. ولقد شُنَّت العديد من الحروب بين باكستان والهند على الإقليم من جهة، وبين الهند والصين من جهة أخرى.
وتعود أهمية الإقليم لاحتوائه على العديد من الثروات الطبيعية، ويُعتبَر منطقة مهمة لحماية الأمن القومي لكُلٍّ من الهند وباكستان. كما وينبع من الإقليم أهم ثلاثة أنهار باكستانية هي السند وجِيْلَم وجِنَاب. وما زاد من دوافع شَنِّ الحروب في المنطقة عدم تحديد النقاط الفاصلة والحدود بين البلدين في هذه النقطة من قِبَل بريطانيا عند انتهاء استعمارها للمنطقة، ونَيْلُ كِلَا البلدين استقلالهما عام 1947م.
لتبدأ في نفس العام أول حرب بين البلدين على تلك المنطقة والتي تُسمَّى "حرب كشمير الأولى"، والتي استمرت عامًا كاملًا. ومنذ العام 1947م، لم تتوقف الصراعات بين الهند وباكستان، إذ شهدت المنطقة عدة حروب ومناوشات عسكرية أخرى، آخرها كان في العام 2019م، حيث قام سلاح الجو الباكستاني بإسقاط مقاتلتين حربيتين تابعتين لسلاح الجو الهندي اخترقتا المجال الجوي لباكستان، وأَسْر طيارًا هنديًّا (روسيا اليوم). ولا يقتصر الصراع في المنطقة بين الهند وباكستان فحسب.
إذ إن العلاقات الباكستانية الأفغانية، ليست هي الأخرى في أحسن الأحوال؛ فالبلدان الجاران يشتركان في حدود يبلغ طولها نحو 2400 كيلومترًا. وبين البلدين علاقات دينية وتاريخية وجغرافية ولغوية وثقافية ومصالح اقتصادية. وبالرغم من تلك النقاط المشتركة بين أفغانستان وباكستان، إلا أن العلاقات الأفغانية الباكستانية قد مَرَّتْ بـفترات من المَدِّ والجَزْر منذ تأسيس دولة باكستان عام 1948م.
وقد اتَّسَمَتْ علاقات البلدين بـالفُتُور والتوتر طيلة الـ76 عامًا الماضية، وأساس هذا التوتر هو معاهدة "ديورند" الموقَّعة بين مَلِك أفغانستان "عبد الرحمن خان" والمفوَّض البريطاني السير "مورتيمر ديورند" في العام 1883م. ذلك أن هذه المعاهدة تقتطع أجزاء كبيرة من أراضي أفغانستان في مناطق تقطنها قبائل من عرقية البشتون في الجَنُوب والجنوب الغربي لأفغانستان، وتم ضَمُّها إلى مستعمرات بريطانيا في الهند، وهي تقع اليوم في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان الباكستانيين.
وقد اعترضت الحكومات الأفغانية المتعاقبة على معاهدة ديورند، وقُبَيْل تقسيم الهند وتشكيل دولة باكستان، التقى رئيس الوزراء الأفغاني الأسبق الأمير "شاه محمود خان" في 31 يوليو 1947م بوزير خارجية بريطانيا، وأبلغه اعتراض أفغانستان على الترتيبات الحدودية الناتجة عن معاهدة ديورند. وكانت أفغانستان الدولة الوحيدة التي عارضت عضوية باكستان في منظمة الأمم المتحدة عام 1947م (مركز المستقبل للأبحاث والرؤى والدراسات).
وبعد إعلان تأسيس باكستان كدولة مستقلة، انعقد مجلس اللويا جيرغا الأفغاني "المجلس الوطني الكبير" في 26 يوليو 1949م في كابُل، وأيَّدَ موقف الحكومة الأفغانية الرافض لمعاهدة ديورند. وكان الجديد في قرارات المجلس المطالبة بمنح حق تقرير المصير لمناطق يسكنها البشتون في الجانب الباكستاني من خط ديورند، وتشكيل دولة لهم باسم بشتونستان.
كان ذلك مؤشرًا على مزيد من التوتر بين أفغانستان وجارتها الوليدة حينها باكستان، التي ورثت عن الاستعمار البريطاني مشاكل حدودية على غرار العديد من مستعمرات المملكة المتحدة، التي نشبت فيها نزاعات حدودية كانت سببًا لـصراعات وحروب عدة حول العالم.
وبالتالي، فإن العديد من المراقبين ينظرون إلى مشروع خط الغاز الطبيعي "تابي" فرصة للارتقاء بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول المنطقة، نظرًا لـرَبْط مصالح تلك الدول بعضها ببعض؛ إلَّا أن نماذج عدة في العالم تُفَنِّدُ ذلك؛ فروسيا على سبيل المثال: تربطها بأوروبا علاقات طاقية وشراكات اقتصادية وتجارية محورية لاقتصادَي أوروبا والاتحاد الروسي، ورغم ذلك تدهورت العلاقات بشكل كبير بين الجانبين؛ إلَّا أن ما يُمَيِّزُ مشروع "تابي"، ارتباطه بمشروعات تنموية أخرى بين دول المنطقة؛ مما يُعَدُّ إشارة إيجابية على تهدئة التوترات، في ظل حاجة دول الإقليم لتلك القفزات التنموية. حيث يأتي مشروع نقل الكهرباء بقدرة 500 كيلوواط بين تركمانستان وباكستان عبر أفغانستان في سياق مشروع "تابي".
وبناءً على التصريحات الحكومية، ستحصل كابُل على ما يصل إلى 110 ملايين دولار من حقوق العبور من نقل الكهرباء، وسيتم بناء 3 محطات فرعية للكهرباء في ولايات هرات وفراه وقندهار. إلى جانب مَدِّ كابلات الألياف الضوئية في المنطقة لربط الدول المجاورة. وهناك مشروع آخر سيتم تنفيذه على طول خط أنابيب الغاز، وهو خط السكة الحديدية الذي يربط باكستان وتركمانستان عبر أفغانستان.
مستقبل العلاقات الإقليمية في ظل مشروع تابي والمشروعات المرافقة:
بالنظر إلى وجود نماذج اقتصادية ناجحة في الإقليم، على رأسها الصين والهند؛ إذ تمكنت تلك الدول من تحقيق نهضة اقتصادية شاملة خلال العقود الماضية. فإن ذلك يستوجب بالضرورة إمدادات طاقة دائمة إلى المجمَّعات الصناعية، لاستمرار عجلة الاقتصاد الصناعي في تلك الدول. حيث إن باكستان قد سارعت لتحقيق نهضتها الصناعية هي الأخرى، مُحَقِّقةً نتائج اقتصادية إيجابية خلال السنوات الأخيرة.
إذ يحتل اقتصاد باكستان المركز الرابع والعشرين كأكبر اقتصاد في العالم من حيث تعادل القِوَى الشرائية، والمركز الثاني والأربعين من حيث كِبَر الناتج المحلي الإجمالي. وفضلًا عن الفائض الكبير في الموارد الطبيعية والطاقية والقدرات الإنتاجية في منطقة آسيا الوسطى، وزيادة الطلب عليها من قِبَل الهند وباكستان والصين وإيران؛ فإن احتمالية توسيع نطاق المشروع وزيادة التعاون الإقليمي بشكل أكبر أمر وارد بقوة.
في ظل ما تُعانيه إيران، رغم كونها صاحبة ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، من عجز يومي يبلغ نحو 300 مليون متر مكعب من الغاز، وبعد أن كان من المفترض أن تُزَوِّدَ البلدين المُكْتَظَّين بالسكان، باكستان والهند، بالغاز منذ 22 عامًا، فضلًا عن سوقها المحلي عبر مشروع يُسمَّى "خط أنابيب السلام"، توقف هذا المشروع لأسباب كثيرة.
واليوم تُفيد التقارير الإعلامية بأن إيران لا تتفاوض فقط لاستيراد الغاز من تركمانستان، بل إن هذا البلد قد فَتَحَ خط أنابيب "تابي" مع شركائه الآخرين، بما في ذلك أفغانستان، لتزويد باكستان والهند بالغاز اللازم. وبحسب وسائل إعلام مختلفة، فإن حكومة طالبان قد دخلت في محادثات مع الصين العام الماضي 2023م، للمشاركة في مشروع ترانزيت "حزام واحد، طريق واحد".
وتتابع عن كثب، إنشاء طريق ترانزيت موارد الطاقة "تابي" وتُحاول رَبْط أفغانستان بالعالم مرة أخرى من خلال المشاركة في مشاريع الترانزيت. فيبدو أن المنطقة قد تشهد تعاونًا إقليميًّا واسعًا بين تركمانستان وباكستان وأفغانستان والهند والصين وإيران، في ظل المنافسة الاقتصادية العالمية المُحْتَدِمة، ومساعي دول المنطقة لإحداث نهضة صناعية شاملة أو زيادة القدرات الإنتاجية.
الخلاصة:
- في ظل ما شهدته المنطقة من نماذج اقتصادية تنموية ناجحة؛ مثل: الصين والهند وباكستان؛ تطمح عدة دول إقليمية لانتهاج مسارات تنموية مماثلة، انطلاقًا مِمَّا تحظى به المنطقة من موارد وثروات طبيعية وطاقية وزيادة الطلب عليها.
- فمشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي "تابي" وما يُرْفِقُه من مشروعات لنقل الطاقة الكهربائية بين الدول الإقليمية وشبه القارة الهندية، يُعَدُّ مؤشرًا على علاقات إقليمية جديدة يسودها التعاون والشراكات البَنَّاءَة بعد عقود من الصراعات الإقليمية والداخلية.
- ويُعَدُّ تَدَنِّي الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية في عدد من دول الإقليم، الدافع الأساسي لتمَسُّك صُنَّاع القرار في دول المنطقة بتحقيق مشروع "تابي" ومشاريع نقل الطاقة الكهربائية في المنطقة.
- وعلى مستوى العلاقات الإقليمية، فقد مَنَعَت العلاقات التجارية والاقتصادية حروبًا عدة وأَرْسَت السلام والاستقرار طيلة سنوات في مناطق مختلفة من العالم، مثل التعاون الاقتصادي بين أوروبا ودول وَسْط آسيا، وعلاقة الصين مع الدول الإقليمية. ولذلك، فإن مشروع "تابي" يُعَدُّ خطوة أولى باتجاه إرساء الاستقرار في المنطقة المتوترة.
المصادر: