سد النهضة.. فيضانات مفتعلة وكوارث في السودان ودور السد العالي

ملفات خارجية
سد النهضة.. فيضانات مفتعلة وكوارث في السودان ودور السد العالي
١١ دقيقةللقراءة
تاريخ النشر: ١ ديسمبر ٢٠٢٥

تتعدد أخطار سد النهضة الإثيوبي، بدايةً من احتمال حدوث كارثة كبرى؛ نتيجة وقوعه في منطقة نشطة زلزاليًّا، إضافةً إلى وجود تقارير عن عيوب إنشائية، ممَّا يُنذِرُ بانهيار قد يُدَمِّرُ سدود السودان.

اقتصاديًّا يُهَدِّدُ السد بتقليص المساحة الزراعية ونقص توليد الكهرباء وزيادة ملوحة المياه في البلدين، في ظل إدارة إثيوبية أحادية للسد دون مراعاة لحقوق دول المصب. وهو ما ظهرت آثارُهُ السلبية بوضوح خلال فيضان سبتمبر الماضي؛ الذي أجبر آلاف الأُسَر السودانية على الفرار من منازلها الغارقة، كما دَمَّرَ عدة محاصيل في ست ولايات. وبسبب موقف إثيوبيا المُتَعَنِّتِ، ترسَّخ شعور كبير لدى مصر والسودان بأن هذا الفيضان لم يكن فقط ظاهرة طبيعية، بل فيضانًا صناعيًّا مُفتَعَلًا ناتجًا عن سوء إدارة وتصرف إثيوبي أحادي.

وبالتالي، يُفضي التصرف الإثيوبي إلى فرض الأمر الواقع والتطبيع القسري على دول المصب، ويضع السودان تحديدًا أمام خسائر كبيرة تُهَدِّدُ أمنه الغذائي بشدة. وفي هذا التقرير، نُفَكِّكُ أبعاد فيضان السودان؛ بَدءًا من الخسائر البشرية والمادية والزراعية الجسيمة التي لحقت بالسودان، وتقييم التأثير المحدود الذي واجهته مصر بفضل الإجراءات الوقائية والدور الحاسم للسد العالي، ونناقش السيناريوهات المستقبلية المتوقعة.

فيضان السودان:

شهد السودان في سبتمبر الماضي موجة فيضانات عارمة، أثارت جدلًا بسبب تزامنها مع عمليات تصريف للمياه من سد النهضة الإثيوبي. تسببت الفيضانات في أضرار مادية وزراعية وبشرية واسعة في ست ولايات، مُفَاقِمَةً للأعباء الإنسانية والاقتصادية في ظل ظروف الحرب وضعف البنية التحتية. ورغم استجابة الحكومة السودانية بإعلان حالة الطوارئ واتخاذ إجراءات مثل تخفيض تصريف سد الروصيرص، فإن زيادة كميات المياه وضعت ضغطًا هائلًا على البلاد.

ويمكن تلخيص أضرار الفيضان كالآتي:

  1.   الخسائر البشرية والنزوح: وثَّقَت الولايات قتلى بسبب انهيار المنازل، وتشريد ونزوح آلاف الأسر (مئات الأسر تم إجلاؤها في ود مدني وجبل أولياء، على سبيل المثال)؛ كما تدهورت الظروف الصحية وزادت أخطار انتشار الأمراض بسبب المياه الراكدة.
  2.   الأضرار المادية والبنية التحتية: تركزت الخسائر في المناطق الواقعة على ضفتي النيل، وشملت انهيار وتضرر المنازل وغمر القرى والأحياء، وانهيار بعض الطرق القومية وجسور الري، إضافةً إلى انهيار سد ترابي شمال الخرطوم بحري (ود رملي).
  3.   الأضرار الزراعية والأمن الغذائي: غَمَرَت المياه مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في الشريط النيلي، خاصةً في ولايات سنار والجزيرة والنيل الأزرق، ممَّا أدَّى إلى تلف المحاصيل. كما تسبب الفيضان في فقدان الطمي، مما يحرم أراضي السودان الزراعية من الرواسب الخصبة التي كانت تتجدد سنويًّا، ويُهَدِّدُ الأمن الغذائي على المدى الطويل.

تهديد الأمن الغذائي السوداني:

وبالتالي، فإن السودان يواجه تكلفة مزدوجة بسبب إدارة إثيوبيا الأحادية لسد النهضة، ممَّا يُهَدِّدُ الأمن الغذائي بشدة، في ظل استمرار الصراع الداخلي. ويعود ذلك إلى بعض الأسباب كالآتي:

  • فقدان الطمي: حجز سد النهضة للطمي يُعَدُّ أهمَّ تهديد للزراعة في السودان؛ لأنه سِمَاد النيل الطبيعي والمَجَّانِيُّ الذي يجدد خصوبة التربة سنويًّا دون تكلفة. ولذلك، فإن فقدان الطمي يُجبِرُ المزارعين على الاعتماد بشكل متزايد على الأسمدة الكيماوية والمخصبات الاصطناعية، وَيَرْفَعُ تكاليف الإنتاج، وَيُثقِلُ الميزانية الحكومية والمزارعين، وبالتالي تدهور إنتاجية المحاصيل على المدى الطويل، إضافةً إلى استثمارات ضخمة في بحوث وتعديلات أنماط الري، ممَّا يعني خسائر هائلة للقطاع.
  • الغذاء: خسائر قطاع الزراعة تعني ارتفاع الاحتياجات السودانية السنوية من المحاصيل بسبب الفيضانات، ثم انهيار سبل الحياة؛ أما ارتفاع أعداد السكان وقلة إنتاجية المحاصيل، في ظل إنتاجية قليلة وتكاليف أكبر، ممَّا يعني انهيار أي محاولات نحو الاكتفاء الذاتي، في بلد يعيش غالبية سكانُهُ بشكل أساس على الزراعة.

مصر ودور السد العالي:

استطاعت مصر احتواء الأثر المباشر للفيضان، بفضل التجهيزات في البنية التحتية، ووجود السد العالي وبحيرة ناصر ومفيض توشكى. ورغم أن كميات المياه الواردة زادت عن المعدلات الموسمية حتى أواخر أكتوبر، فإن التأثير المباشر على الأراضي المصرية كان محدودًا، وتمثَّل في:

  1.   غَمْر محدود: غَمْر بعض المناطق القريبة من النيل (في المنوفية والبحيرة) بسبب ارتفاع المنسوب، لكن وزارة الري أكدت أن هذه المناطق هي في الغالب من أراضي "طرح النهر"؛ وهي مساحات ضمن حَرَم النهر معرضة بطبيعتها للغَمْر في سنوات الفيضان.
  2.   الخسائر: تركزت الخسائر في تضرر المحاصيل الزراعية في هذه الأراضي وتهديد بعض المنازل المُقَامَة في المناطق المنخفضة.

كان السد العالي هو صِمَام الأمان الرئيس الذي حمى مصر من فيضانات مُدَمِّرَة على غرار ما حدث في السودان، وذلك من خلال:

  • التحكم في التصريف: سمحت السعة التخزينية الهائلة لبحيرة ناصر باستقبال كميات كبيرة من المياه الواردة والتحكم في تصريفها بشكل تدريجي ومُدَار. - الوقاية من الغرق: لولا السد، لكانت هذه الكميات الهائلة قد أغرقت مناطق واسعة من صعيد مصر والدلتا.
  • إدارة المياه: نجحت مصر في احتواء أثر الفيضان بتطبيق خُطَط الطوارئ وتجهيز السد العالي واستخدام مصارف مختلفة، مثل قناة مفيض توشكى عند الحاجة لتصريف المياه الزائدة.

المخاطر المشتركة في ظل غياب الاتفاق:

بالرغم من نجاح مصر في الاحتواء، فإن غياب اتفاق مُلزِم بين إثيوبيا ودولتي المصب يُهَدِّدُ الأمن المائي والغذائي والاجتماعي للبلدين، نتيجة المخاطر التالية:

  • تهديد السدود السودانية: عدم تبادل البيانات والمعلومات يضع السودان في حالة عدم يقين بشأن كميات المياه المُصَرَّفَة، ممَّا يزيد من خَطَر تعرض سد الروصيرص للخَطَر عند التصريفات العالية والمفاجئة؛ كما أن زيادة المياه عن الحد قد يؤدي إلى انهيار بعض السدود السودانية بسبب محدودية قدرتها الاستيعابية. - التأثير الزراعي والأمن الغذائي: احتجاز سد النهضة لمعظم الطمي يحرم الأراضي الزراعية السودانية من الرواسب الخصبة، كما يُهَدِّدُ نقص المياه أو تَذَبْذُبُ التدفقات الأمن الغذائي في البلدين بتبوير مساحات واسعة. - التأثير على كفاءة السد العالي: انخفاض مستوى المياه في بحيرة السد العالي في أسوان قد يقلل من قدرته على توليد الطاقة الكهرومائية.
  • المخاوف الفنية الكارثية: المخاوف المتعلقة بأمان سد النهضة نفسه، خاصةً في منطقة نشطة زلزاليًّا، تثير قَلَقًا من سيناريو كارثي قد يغمر مساحات شاسعة من الأراضي بين السد والسد العالي.

ولذا، فإن إدارة إثيوبيا الأحادية لسد النهضة، بعد التصريف المفاجئ وغير المنسق للمياه، لا تُعَدُّ مجرد خطأ فني أو سوء إدارة، بل هي أداة إستراتيجيَّة لفرض "التطبيع القسري" على دول المصب، وبشكل أكبر نحو مصر، حيث تسعى أديس أبابا إلى إجبار السودان ومصر على التعامل مع السد بسياسة الأمر الواقع، وتحويلهما إلى شريك غير مُنَسَّق، عبر تحويل الأولوية من إبرام اتفاق قانوني مُلزِم إلى البحث عن تنسيق فني طارئ لتفادي الكارثة. وهنا يقع العبء الأكبر لهذا السلوك على السودان الذي يواجه تكلفة مزدوجة، تتمثل في تدمير المحاصيل الفوري بسبب الفيضانات المُفتَعَلَة، وتآكل هيكلي طويل الأجل لأمنه الغذائي بفعل حجز الطمي، ممَّا يضاعف الأزمة.

في المقابل، يمنح السد العالي وبحيرة ناصر ومفيض توشكى، إضافةً إلى تحركات وإنشاءات مصر في البنية التحتية، علاوةً على وقت زمني أكبر من السودان، هامشًا زمنيًّا وحماية ضد التعنت الإثيوبي، ممَّا يُعزِّزُ قدرتها على الصمود ويسمح لها باستغلال هذا الهامش للتمسك بالموقف القانوني وتعزيز الجبهة الموحدة لدول المصب، بدلًا من التفاوض تحت ضغط التهديد المائي الوشيك.

موقف مصر والسودان:

تحركت مصر والسودان سياسيًّا ودبلوماسيًّا للتعريف بخطورة الإدارة الأحادية المُتَهَوِّرَة لسد النهضة، مُؤَكِّدَةً أن هذا السلوك يُشَكِّلُ "تهديدًا مباشرًا لحياة وأمن شعوب دولتي المصب"؛ كما وجَّهَت الدولتان اتهامات رسمية إلى أديس أبابا بأن ارتفاع مناسيب النيل الأزرق، الذي سَبَّبَ فيضانات في السودان، هو فيضان "صناعي مُفتَعَل" أو ناتج عن سوء إدارة من جانب إثيوبيا.

استندت اتهامات القاهرة والخرطوم إلى:

  • التصريف العشوائي: قيام إثيوبيا بالتصريف العشوائي وغير المنسق لكميات ضخمة وغير مُبَرَّرَة من المياه، دون تنسيق مُسبَق مع دول المصب. - تزامن التصريف مع المَلْء: حدث التصريف المفاجئ بكميات كبيرة بعد اكتمال مرحلة من مراحل المَلْء، ممَّا اضطر إثيوبيا إلى إطلاق المياه الزائدة دفعة واحدة. - أسباب التصريف (فنية أو سياسية): يرى الخبراء أن هذا التصريف كان لأسباب فنية (كعدم تشغيل العدد الكافي من التوربينات، مما استلزم التخلص من المياه الزائدة) أو لأسباب سياسية (لخدمة احتفالات افتتاح جزء من السد). - الخطر المباشر على السودان: تركزت التحذيرات على أن التدفقات الضخمة والمفاجئة شَكَّلَتْ خَطَرًا مباشرًا على أمان السدود السودانية (مثل سد الرُّوَصَيْرِص) وتسببت في غَمْر الأراضي والقرى.

أسباب تدعم اتهام الدولتين لإثيوبيا:

ينبع اتهام مصر والسودان بأن الفيضان كان مُفتَعَلًا أو ناجمًا عن سوء إدارة من الربط المباشر بين الكارثة وغياب التنسيق حول سد النهضة. فقد أدَّى التصريف المفاجئ والضخم للمياه، المتزامن مع توقيت متأخر من موسم الأمطار، إلى ارتفاع غير مسبوق وخطير في مناسيب النيل الأزرق؛ ممَّا يُؤكِّدُ دور إثيوبيا الفاعل.

وتتلخص أسباب اتهام البلدين في النقاط التالية:

  1.   سوء الإدارة والتصريف غير المُنضَبِط: يُرَجِّحُ خبراء أن إثيوبيا اضطرت لتصريف كميات مياه كبيرة بشكل مفاجئ وغير منسق بعد امتلاء السد أو ارتفاع منسوب بحيرته، خاصةً في أوقات غير متوقعة للفيضان الطبيعي.
  2.   أعطال أو عدم تشغيل التوربينات: يُشَارُ إلى أن عدم عمل التوربينات بكامل طاقتها دفع إثيوبيا لفتح بوابات المفيض، ممَّا أدَّى إلى زيادة التدفقات بشكل غير آمن.
  3.   غياب التنسيق ونقص المعلومات: يُعَدُّ غياب اتفاق مُلزِم يحدد قواعد التشغيل وتبادل البيانات نقطة خطيرة، إذ يحرم السلطات السودانية من المعلومات اللازمة للاستعداد للتدفقات المائية المفاجئة وإدارة الفيضان.
  4.   الأسباب الطبيعية كعامل مساعد: أي أن سبب الفيضان هو زيادة التدفقات الطبيعية والموسمية لمياه النيل الأبيض وغزارة الأمطار، بالإضافة إلى الأسباب السابقة التي ضاعفت من الأثر.

السيناريوهات المتوقعة لأزمة سد النهضة:

تدور حول أزمة سد النهضة عدة سيناريوهات محتملة، يأتي في مقدمتها الحل السلمي للأزمة عبر الوصول إلى اتفاق بين إثيوبيا ودولتي مصر والسودان، أو استمرار التوترات بينهما دون الوصول إلى حل، وأخيرًا يأتي سيناريو التصعيد، ونُناقشُ كل سيناريو من السيناريوهات الثلاثة المتوقعة كالآتي:

سيناريو التوصل إلى اتفاق:

قد يكون التوصل إلى اتفاق شامل ومُلزِمٍ قانونًا يحدد قواعد مَلْء وتشغيل السد، خاصةً في سنوات الجفاف أو الجفاف الممتد بين أديس أبابا وكل من القاهرة والخرطوم، السيناريو الأكثر إيجابية، كما أنه المخرج الوحيد المستدام للأزمة؛ إلا أن احتمالات حدوثه قليلة للغاية. فمصر والسودان حاولتا منذ سنوات الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، ويحقق طموح إثيوبيا المزعوم في توليد الطاقة. ومع ذلك، لا تريد إثيوبيا ذلك، وتواصل موقفها المتصلب الرافض لأي حلول، وتسببت سياستُها في فشل كل جولات التفاوض.

سيناريو استمرار الأمر الواقع:

استمرار إثيوبيا في التشغيل والإدارة الأحادية للسد دون التنسيق أو الالتزام بحقوق دولتي المصب، وهو ما يعني استمرار الضرر بشكل فعلي على مصر والسودان، تحديدًا في حال الفيضانات أو الجفاف، ممَّا يؤدي إلى تفاقم الأزمات المادية والاقتصادية والزراعية والبيئية، وبالتالي تصعيد مستمر للأزمة دون اتخاذ قرارات حاسمة لفرض تسوية، ممَّا يُبقي مشكلة السد في حالة إدارة الأزمة والجمود والتعاطي مع المشكلات الطارئة من ناحية مصر والسودان أولًا بأول، كما تعاملت مصر مع مشكلات نقص المياه والجفاف، وكذلك الفيضان الأخير.

سيناريو التصعيد العسكري:

هو السيناريو الأقل ترجيحًا كما أنه الأكثر خطورة، وحذرت مصر مرارًا بأنها تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن أمنها القومي المائي. واستخدام الخيار العسكري له العديد من النتائج الكارثية، حيث يؤدي استهداف سد النهضة بضربة عسكرية إلى دمار واسع وفيضان مُدَمِّر في السودان، وتصعيد إقليمي قد يُزَعزِعُ استقرار المنطقة بأكملها، وبالتحديد لوجود استثمارات صينية وسعودية وأخرى إماراتية وأجنبية في السد.

ولذلك، فإن استمرار السيناريو الثاني بثبات الأمر الواقع وبقاء الأزمة دون حلول، يجعل مصر المتضَرِّرَ الأكبرَ من نقص المياه والجفاف، كما يُعَرِّضُ السودان بشكل مباشر لأخطار الفيضانات. أما سيناريو التصعيد العسكري، فيجعل السودان أمام كارثة بيئية ومائية محققة وفيضان تاريخي قد يترك مئات الآلاف من الغرقى والقتلى وانهيار البنية التحتية. وبالتالي، فإن أفضل الخيارات هو التفاوض وحل الأزمة بالطرق السلمية.

سيناريو التطبيع القسري:

سيناريو التطبيع القسر يُمثِّلُ إستراتيجية جيوسياسية لا تهدف فقط إلى توليد الكهرباء أو مَلْء السد، بل تهدف إلى إعادة تشكيل العلاقة الإقليمية بين إثيوبيا ودولتي المصب (السودان ومصر) على أساس الأمر الواقع الذي فرضته إثيوبيا، بغرض دفع دول المصب إلى التعامل العملي مع السد وتشغيله، حتى في غياب اتفاق قانوني مُلزِم.

حيث يتم فرض هذا التطبيع عبر التصرفات الأحادية المتكررة والمؤثرة، مثل التصريف المفاجئ للمياه، ممَّا يجعل السودان أمام خيار وحيد، وهو الحاجة المُلِحَّة للنجاة، حيث تتحول أولوية الخرطوم من التفاوض على اتفاق شامل إلى الاستجداء للحصول على بيانات تصريف اللحظة الأخيرة لخفض منسوب سد الروصيرص، وتفادي الكارثة، وبالتالي تحويل ملف النزاع من حقوق مصر والسودان التاريخية في مياه النيل إلى: كيف سنُدِيرُ سد النهضة بعد تشغيله؟ أي أنه اعتراف ضمني بالوضع الجديد.

ولمواجهة سيناريو التطبيع القسري، تتبع دول المصب إستراتيجيتين رئيسيتين كما أسلفنا سابقًا وهما:

  1.   المقاومة الدبلوماسية والقانونية: التمسك بالمنصات الدولية والرسائل التحذيرية التي تُؤكِّدُ أن سلوك إثيوبيا هو تهديد مباشر وليس مجرد اختلاف في وجهات النظر، ممَّا يحافظ على الصفة غير الشرعية للإدارة الأحادية.
  2.   الاستعداد الفني: والذي ظهر عبر السد العالي وقدرة مصر على امتصاص صدمات التصريف المائي التي تحميها من الوقوع تحت الضغط القسري الفوري الذي يُعَانِي منه السودان، ممَّا يسمح لها بمواصلة الضغط الدبلوماسي.

الخلاصة:

تُعَدُّ الفيضانات ظاهرة طبيعية مرتبطة بهطول الأمطار في الهضبة الإثيوبية، إلا أن شدة فيضان سبتمبر الماضي لم تكن طبيعية، لتزامنها مع فتح بوابات تصريف المياه من سد النهضة بكميات هائلة. ولذلك، يتركز الاتهام حول أن سد النهضة فَاقَمَ بشدة من حِدَّة الفيضان وزاد من آثاره على دولتي المصب، مُتَسَبِّبًا في فيضان ثانوي غير منتظم نتيجة قرارات تشغيل أو تصريف أحادية الجانب وغير مُنَسَّقَة. كما أن الاتهام بكون الفيضان "مُفتَعَلًا"، يعني أن إدارة وتوقيت تصريف المياه المُخَزَّنَة أو الواردة للسد كانت غير مسؤولة أو مُتَعَمَّدَة، ممَّا أدَّى إلى نتائج كارثية ومُقلقة في دول المصب.

كما أن إدارة إثيوبيا الأحادية لسد النهضة تُحَوِّلُ التحدي الغذائي في السودان من أزمة موسمية إلى أزمة هيكلية دائمة، بعد تدهور خصائص الموارد المائية والتربة الزراعية. أما في مصر فقد برز السد العالي كأداة سياسية وإستراتيجيَّة تمنح مصر القدرة على اختيار توقيت وشكل المواجهة الدبلوماسية، بدلًا من أن تكون مُضطَرَّة للرد الفوري تحت الإكراه. وبالتالي، فإن التصريف المفاجئ لمياه السد ليس مجرد خطأ فني، بل هو أداة إستراتيجيَّة لـتَدْجِين دول المصب وإجبارهما على التعامل الفعلي مع السد كأمر واقع وقائم، ممَّا يُقَوِّضُ جهود إبرام اتفاق مُلزِم يضمن حقوقهما القانونية. وعليه، فإن فيضان النيل في سبتمبر 2025 يُؤكِّدُ بوضوح ضرورة التوصل إلى اتفاق مُلزِم حول قواعد تشغيل وإدارة سد النهضة.

المصادر:

سكاي نيوز- هل تتأثر مصر بفيضانات السودان بعد فتح خزانات "النهضة"؟- 30 سبتمبر 2025.

روسيا اليوم- خبير مصري يوضح دور سد النهضة في فيضانات السودان: "لم يستجيبوا لتحذيراتنا المتكررة"- 28 سبتمبر 2025.

العربية- فيضانات السودان وسؤال "سد النهضة"!- 2 أكتوبر 2025.

عربي بوست- هل مصر آمنة من تدفقات مياه سد النهضة؟.. اتهامات متبادلة مع إثيوبيا بمسؤولية السد عن فيضانات السودان “غير العادية”- 3 أكتوبر 2025.

الشرق الأوسط- تدفقات «سد النهضة» تهدد بفيضانات مدمرة لمناطق واسعة في السودان- 30

الكلمات المفتاحية

سد النهضةإثيوبيامصرالسد العاليالسودان