قراءة في مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ظل تهديدات ترامب وتراجع النفوذ الإيراني إقليميًّا

إقليمية
قراءة في مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ظل تهديدات ترامب وتراجع النفوذ الإيراني إقليميًّا
١٣ دقيقةللقراءة
تاريخ النشر: ٤ ديسمبر ٢٠٢٥

رغم تَعَرُّض المشروع الإيراني في الإقليم لضربات مُوجِعة داخلية وخارجية خلال العام ونصف الأخير، وتراجع مناطق النفوذ الإيراني في المنطقة؛ إلا أن الحرس الثوري وأجهزة الدولة في إيران ما تزال تتمسك بطموحاتها الجيوسياسية ومشروعها النووي، في ظل الأزمات الداخلية التي يُعاني منها المجتمع الإيراني. ومع تهديدات ترامب ومخاوف الداخل الإيراني من عودة سياسات "الضغوط القصوى"، والتحركات الإسرائيلية لتقليص دائرة النفوذ الإيراني في الإقليم؛ تسعى طِهران لإعادة تشكيل التوازنات والبحث عن مناطق نفوذ جديدة واحتواء الأوضاع الحالية، عبر إستراتيجية سياسية واقتصادية ونووية شاملة تضمن تماسك النظام الإيراني داخليًّا، ما يُؤشِّر على مزيد من التصعيد بين إيران والقوى الغربية ويطرح تساؤلات حول مستقبل المفاوضات النووية.

فكيف يمكن قراءة خريطة النفوذ الإيراني في الإقليم في ظل التطورات الأخيرة؟ ومَا أثر التحولات الإقليمية في البرنامَج النووي الإيراني في ظل تحركات إيرانية تعكس إستراتيجية شاملة للتعامل مع التطورات الإقليمية؟ ومَاذا عن الإستراتيجية الأمريكية للتعامل مع البرنامَج النووي الإيراني؟ ومَا أهم التحديات التي تواجه مفاوضات المِلَفِّ النووي والإستراتيجيتين الأمريكية والإيرانية؟ ومَاذا عن السيناريوهات المختلفة لمفاوضات البرنامَج النووي في ظل التحولات الأخيرة؟

يُسلِّط مركز "رواق" للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوءَ على مفاوضات المِلَفِّ النووي الإيراني في ظل التحولات الإقليمية الأخيرة وإستراتيجية طِهران وواشنطن إزاء المِلَفِّ النووي، في هذه السطور الآتية:

خريطة النفوذ الإيراني في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة:

كشفت التطورات الميدانية خلال العام ونصف الأخير، والمتمثلة في هشاشة الأذرع الإيرانية واختراقها من الداخل والامتعاض الشعبي العربي من الدَوْر الطائفي لطهران في الدول العربية؛ عن ضعف المشروع الإيراني الإقليمي أمام الرأي العام العربي والإيراني، وافتقاره لأي دعم داخلي أو حاضنة شعبية عربية، واعتماده على الميليشيات والجماعات الإرهابية الخارجة عن سلطة القانون.

في ظل سياسة النظام الإيراني الساعية لتصدير الثورة الخمينية وتوسيع دائرة النفوذ الإيراني إقليميًّا من جهة، وكَـمُحاوَلة منه لتخفيف الضغط الشعبي والرفض الجماهيري لطبيعة إدارته للأزمات التي يمر بها المجتمع الإيراني الداخلي من جهة أخرى؛ حيث إن طهران قد صاغت مشروعها الإقليمي على أسس طائفية، وأنشأت وكلاء وأذرع أحاطَتْهم بشعارات زائفة مثل "وحدة الساحات، ومحور المقاومة، والدفاع عن القضية الفلسطينية".

وسريعًا ما انهارت الأذرع الإيرانية واحدة تلو الأخرى، وتقلصت دائرة النفوذ الإيراني بخروج لبنان وسوريا من العباءة الإيرانية. ورغم الهزيمة الكبرى والانكسار النفسي الذي تَعَرَّض له المشروع السياسي الإيراني الإقليمي، حيث بات يقتصر النفوذ الإيراني في هذه اللحظة على اليمن مع ضعف تأثيره في العراق ولبنان؛ إلا أن قيادات فيلق القدس والحرس الثوري ما تزال متمسكة بأهدافها وغاياتها في التوسع والتمَدُّد، وتتعامل مع الأحداث التي طرأت على حزب الله في الجَنُوب اللبناني، ومَا وصل إليه المشهد السياسي السوري من إسقاط نظام الأسد وفراره إلى روسيا (بفائض من الثقة)، عبر الحديث الذي يتداوله المرشد الأعلى "علي خامنئي" عن قوة وإمكانية "محور المقاومة"، دون أن يشير إلى الأخطار والصعاب التي مَرَّتْ عليه وأَفْقَدَتْه القدرة على مواجهة التحديات والمواجهات في الميدان الذي تواجد فيه، والذي مَثَّلَتْه الساحتان اللبنانية والسورية (مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية).

إذ إن إيران بدأت تخشى مُغادرة تأثيرها الإقليمي وانعزالها دوليًّا وعدم عودتها مرة أخرى إلى الميدان السوري، ومشاركتها في أي تغيير أو تحرك سياسي دبلوماسي تجاه الوضع القائم في دمشق؛ فهي حريصة على العودة إلى مصالحها الإستراتيجية واستثماراتها الاقتصادية في لبنان وسوريا، ولكنها ترى أن ما أعلنته الإدارة الأمريكية الجديدة وبعد تولي الرئيس "دونالد ترامب"، باعتماد سياسة (الضغوط القصوى) تجاه حركتها ومشروعها وقدرتها على الاستمرار في برنامجها النووي، وقطع الطريق أمامها، يعني تفاقم أزماتها الداخلية.

حيث إن النظام الإيراني يُدرك ضعف أوراقه أمام الرأي العام الداخلي، وصعوبة التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة؛ حتى بات النظام الإيراني يواجه مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية. فمن جهة؛ ألقت الضربات التي تَعَرَّضَت لها الأذرع الإيرانية في الإقليم بظلالها على مفاوضات البرنامَج النووي، حيث تقلصت أوراق القوة الإيرانية، ومن جهة أخرى؛ مَثَّلَ انهيار النظام السوري وضعف حزب الله اللبناني خسائر بعشرات المليارات من الدولارات، التي أنفَقَتْها طِهران على دعم نفوذها في لبنان وسوريا.

تداعيات التحولات الإقليمية في المفاوضات النووية الإيرانية مع القِوَى الغربية:

اعتمدت تركيبة القوة الإيرانية على عدة أركان؛ فإلى جانب تطوير سلاح نووي وقوة إستراتيجية صاروخية ومُسَيَّرات، وتعزيز الوجود البحري العسكري الإيراني في مضيق هرمز وبحر العرب ومنطقة الخليج، ومحاولات التأسيس لموطئ قدم على سواحل السودان؛ مَثَّلَتْ الأذرع والوكلاء الإقليميون الموالون للمرشد الأعلى في إيران، والتي استثمرت طِهران عبر الحرس الثوري في تطوير قدراتهم وتَرْسَانَتِهم العسكرية، أحد أبرز عوامل القوة الإيرانية في الشرق الأوسط.

حيث استطاعت طِهران تسخير أوراق القوة تلك مُجْتَمِعَة في مباحثات الاتفاق النووي مع القِوَى الغربية وروسيا والصين في عام 2015م، والخروج بمكاسب اقتصادية مَكَّنَتْ إيران من زيادة نفوذها وتَغَوُّلِها في الأراضي العربية أكثر. ومع التحولات الأخيرة وتصاعد دعوات الداخل الإيراني والرئيس الأمريكي "ترامب" لإجراء مباحثات مع إيران حول المِلَفِّ النووي.

يمكن القول: إن التفاوض النووي بين إيران والقوى الغربية سيتأثر بشكل كبير بالتحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وبمدى استقرار النفوذ الإيراني الإقليمي، خاصة عبر أذرعها في سوريا ولبنان؛ فانهيار هذه الأذرع قد أحدث تداعيات متشابكة في المفاوضات المنتظرة بين إيران والقوى الغربية.

فمن جهة: فقدت إيران ورقة ضغط إقليمية، حيث تُمَثِّلُ الميليشيات في سوريا ولبنان أداة إيران لتعزيز نفوذها وتأمين ممر إمدادات "الهلال الشيعي" من طهران إلى البحر المتوسط، وانهيارها قد يُضعِف قدرة إيران على استخدام التدخل الإقليمي كورقة مساومة في المفاوضات، مثل المطالبة برفع العقوبات مقابل تقليص النشاط الإقليمي.

كما أن فقدان إيران لجزء من قوتها في الإقليم؛ قد قَلَّلَ من قدرتها على التصعيد بواسطة الوكلاء، مثل تهديد المصالح الغربية في الشرق الأوسط، وبالتالي تقلصت القدرة على الردع. ويبدو أن القِوَى الغربية ستتجه لتشديد المطالب، إذ قد تستغل الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة، ضعف النفوذ الإيراني لفرض شروط أكثر قسوة في الاتفاق النووي، مثل تقييد تخصيب اليورانيوم بشكل دائم أو فرض رَقابة أوسع على المنشآت العسكرية.

وفي هذه الحالة، قد تظهر عدة سيناريوهات محتملة بناءً على طبيعة هذه المطالب وردود الفعل الإيرانية حولها؛ حيث تبرز إمكانية مطالبة الغرب لإيران بتوسيع التفتيش العسكري؛ إذ لطالما عَرْقَلَتْ السلطات الإيرانية عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورَفَضَت مطالب الوكالة بالوصول إلى المواقع العسكرية المُشْتَبَه بها مثل بارشين. ومن المحتمل إجبار إيران على إغلاق منشأة فوردو وتحويلها إلى مركز أبحاث غير نووي؛ حيث طالبت القِوَى الغربية مرارًا إيران بإغلاق منشأة فوردو خاصة خلال مفاوضات العام 2015م (الجزيرة).

 

عملت إيران طيلة العقود الماضية على تطوير صواريخ إستراتيجية بمديات مختلفة

والراجح أن يتم ربط المِلَفِّ النووي بالمِلَفِّ الإقليمي والصواريخ الباليستية؛ فقد أشار مراقبون غربيون وإسرائيليون، إلى ضرورة إدراج تقييد برنامَج الصواريخ الباليستية ذات المدى فوق 2000 كيلومتر في الاتفاق. وفي تقديري: قد تتجه إيران إلى سياسة (المقاومة الاقتصادية)، والتي تُعَدُّ شعارًا أكثر من كونها إستراتيجية اقتصادية واضحة، حيث لم تُسْفِرْ عن أي تحسُّن ملموس في الأوضاع المعيشية في إيران خلال فترة ولاية ترامب الأولى.

إستراتيجية إيران للتعامل مع الأوضاع الحالية داخليًّا وخارجيًّا:

فمع بَدْء ولاية ترامب الثانية في الـ20 من يناير 2025م؛ أكدت الولايات المتحدة الأمريكية تصميمها التام على تنفيذ سياستها تجاه إيران، وهي تنتظر تغييرًا جوهريًّا وموقفًا صريحًا من قِبَل القيادة الإيرانية في تقديم التنازلات والتعاون في مجال الحَدِّ من تخصيب اليورانيوم، وخَزْن أجهزة الطرد المركزي التي تُساهِم في إنتاج القنبلة الذرية.

وتسعى الإدارة الأمريكية الجديدة لإجبار إيران على القبول بأي مفاوضات وإملاءات تَحُدُّ من طبيعة مشروعها السياسي وطموحاتها الجيوإستراتيجية في الإقليم، وإلَّا فإن الأخطار التي ستواجهها كبيرة في استهداف المنشآت العسكرية والاقتصادية والمواقع الرئيسية للبنية التحتية بحسب البيت الأبيض؛ فقد سبق وأن نفذت إسرائيل ضربات عسكرية في عُمْق الأراضي الإيرانية خلال العام 2024م (سكاي نيوز عربية).

وفي ظل التحديات التي يواجهها النظام الإيراني، وتصاعد الامتعاض الداخلي من الأوضاع المعيشية الصعبة في البلاد؛ صاغت طِهران إستراتيجية متعددة المجالات للتأقلم مع المُتَغَيِّرات الحالية. فعلى المستوى السياسي والاقتصادي، برزت التحركات الإيرانية لـتَوْطيد العلاقات بدول آسيا الوسطى وروسيا والصين، حيث أجرى الرئيس الإيراني "مسعود بزشكيان" زيارة إلى طاجيكستان في الـ15 من يناير 2025م، رِفْقَة وفد رفيع المستوى.

إذ سعت إيران من خلال تلك الزيارة، إلى تَوْطيد علاقاتها الثنائية مع الجانب الطاجيكي خاصة على الجانب الاقتصادي؛ حيث جرى التوقيع على 13 مُذكِّرة تفاهم للتعاون الثنائي خلال لقاء جَمَعَ رجال الأعمال من كِلَا البلدين في دوشنبه، شملت عدة مجالات، منها التجارة والزراعة والمياه والنقل والطاقة والصحة وتصدير الخِدْمَات الفنية والهندسية والقضايا العلمية والأكاديمية وغيرها.

وتأتي تلك الاتفاقيات الاقتصادية في سياق التوجه الإيراني لإقليم آسيا الوسطى، وتطلعاتها لتخفيف الضغط الاقتصادي في الداخل الإيراني، عبر المشاركة في المشروعات الكبرى بالإقليم؛ حيث تعمل إيران على تعزيز مكانتها كمركز محوري لحركة العبور والتجارة، مستفيدة من مشاريع البنية التحتية التي تربطها بالمنطقة.      

تطمح إيران لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من مشروعات البنية التحتية الشرقية العملاقة (الحزام والطريق - الشمال الجنوب) لتخفيف الضغط عن اقتصادها المتأزم

تطمح إيران لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من مشروعات البنية التحتية الشرقية العملاقة (الحزام والطريق - الشمال الجنوب) لتخفيف الضغط عن اقتصادها المُتَأَزِّم.

ويبرز "ممر الشمال الجَنُوب" الروسي، كأحد أهم المشاريع الإستراتيجية، حيث يُتيح لإيران دَوْرًا رئيسيًّا في تسهيل حركة التجارة بين آسيا الوسطى والخليج وأوروبا؛ كما أن المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والانخراط في منظمة شنغهاي للتعاون، يُوَفِّران لطهران فرصًا إضافية لتعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية، وتطوير شبكة النقل واللوجستيات داخل البلاد.

وعلى المستوى الإستراتيجي: وقعت إيران وروسيا اتفاقية تعاون إستراتيجي شامل في الـ17 من يناير 2025م، حيث تشير ضِمْنِيًّا بما تحتويه من بنود تعاون على المستويات الأمنية والعسكرية، إلى تصميم موسكو وطهران على الحفاظ على تأثيرهما في منطقة الشرق الأوسط، في سياق إدارة الصراعات أو دعم الحلفاء، وقد دَعَتْ التطورات الإقليمية الأخيرة كُلًّا منهما للتركيز على هذا الهدف. كما تُمَثِّلُ الاتفاقية رسالة لدول المنطقة، بأن ثَمَّةَ محورًا يمكن أن يُعيد رَسْم التوازنات الإقليمية.

وعلى المستوى الداخل الإيراني: فيمكن رصد تصاعد البروباغندا الإعلامية الإيرانية لتهدئة المخاوف الاقتصادية الداخلية من عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض وتكرار سياسات الضغوط القصوى، حيث عَلَّقَت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية "فاطمة مهاجراني"، بأن معيشة الإيرانيين لا تتأثر بنتائج الانتخابات الأمريكية، مُضِيفةً: "سياساتنا ثابتة ولا تتغير بناءً على أفراد" (بوابة الشروق).

يُضاف إلى ذلك: أن الظهور الأول للمرشد الأعلى في إيران "علي خامنئي"، يوم 7 نوفمبر 2024م، في اللقاء الذي جَمَعَه بأعضاء مجلس خبراء القيادة، وتَجَنُّبَه التعليق على الانتخابات الأمريكية وفوز ترامب، في تصرُّف لا يخلو من دلالة، خاصة؛ إذا ما قُورِنَ بالتصريحات السابقة شديدة اللهجة لخامنئي ضد ترامب، والتي وصلت إلى حَدِّ التهديد المُباشر باغتياله، ثأرًا لاغتيال قائد فيلق القدس السابق "قاسم سليماني"، مطلع يناير 2020م.

كما يبرز التصعيد النووي في سياق الإستراتيجية الإيرانية للتعامل مع المُتَغَيِّرات الحالية. فمن جهة؛ تجاوزت إيران نسبة التخصيب المسموح بها في اتفاقية 2015م، والتي كانت 3.67%، ووصلت إلى 60%، وهي خطوة قريبة من التخصيب العسكري عند 90%، كما ونشرت أجهزة طرد مركزي متطورة مثل (آي آر-6 وآي آر-9) في منشآت نطنز وفوردو، مما يُقَلِّصُ من الوقت اللازم لصنع سلاح نووي (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

ومن جهة أخرى: تسعى إيران لإبرام اتفاق مع القِوَى الغربية لتخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية ولإنعاش الاقتصاد الإيراني المُنهَك، خاصة في قطاعات النفط والبنوك، مع إقرار الغرب بحق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية تفوق الحَدَّ المسموح به في معاهدة حظر الانتشار النووي.

الإستراتيجية الأمريكية للتعامل مع المِلَفِّ النووي الإيراني وتحديات المفاوضات:

تعتمد الإستراتيجية الأمريكية تجاه المِلَفِّ النووي الإيراني، على مزيج من الأدوات الدبلوماسية والعقوبات والضغوط الإقليمية، مع مراعاة التحديات الجيوسياسية والمصالح الأمنية لحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، خاصة إسرائيل. فخلال إدارة بايدن السابقة والتي وَرِثَت عقوبات ترامب التي استهدفت قطاعات النفط والبنوك الإيرانية، ما أدى إلى شَلِّ الاقتصاد الإيراني وتراجع الصادرات النفطية بنسبة 90%.

سعت إدارة بايدن؛ إلى إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي لعام 2015م، مع التركيز على إلزام إيران بخفض تخصيب اليورانيوم إلى 3.67%، وتفكيك أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وفرض قيود زمنية على الوقت اللازم لصنع سلاح نووي. ولم تتخذ إدارة بايدن السابقة خطوات جديدة تجاه الاتفاق النووي والسلوك الإيراني، في ظل تأزُّم العلاقات الأمريكية الروسية (الشرق الأوسط).

وفي ظل إدارة ترامب الثانية؛ سارع ترامب بتكليف "ستيف ويتكوف" مبعوثًا أمريكيًّا للشرق الأوسط، ومن دلالات تلك الخطوة ما يتمتع به "ويتكوف" من خلفية اقتصادية واسعة، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من الدبلوماسية الاقتصادية في التعامل مع إيران؛ حيث إن ترامب يهتم دائمًا بالشؤون الاقتصادية، واستخدام العقوبات كأداة رئيسة للضغط على الخصوم. ولذا؛ قد يكون اختيار "ويتكوف" خطوة نحو تحقيق نوع من التسوية الاقتصادية مع إيران، خاصةً في ظل الأزمات الاقتصادية التي تُعاني منها طِهران بسبب العقوبات الأمريكية.

وكما يُعَدُّ الردع العسكري، عاملًا محوريًّا في التحركات الأمريكية تجاه إيران؛ حيث عززت الولايات المتحدة من وجودها العسكري في الشرق الأوسط منذ أكتوبر 2023م، وتحالفاتها مع الدول العربية الخليجية، ولا يزال التحالف البريطاني الأمريكي حاضرًا في البحر الأحمر. فالولايات المتحدة تعتمد على إستراتيجية متنوعة، تَجْمَع ما بين التحركات الدبلوماسية والضغوطات الاقتصادية والردع العسكري، للتعامل مع المِلَفِّ النووي الإيراني.

وفي حال فشل المفاوضات مع إيران؛ فإن الولايات المتحدة قد تعتمد على سياسة احتواء تَمْنَعُ إيران من امتلاك سلاح نووي، عبر تهديدات عسكرية وعقوبات مستدامة. ورغم الإستراتيجية الأمريكية، إلا أن هناك قِوَى دولية أخرى تُؤَدِّي دَوْرًا مهمًّا في المِلَفِّ الإيراني، مثل روسيا التي تدعم طِهران في العديد من الملفات الإقليمية وتعتبرها شريكًا إستراتيجيًّا في الشرق الأوسط.

وكذلك الصين التي تربطها علاقات تجارية واقتصادية قوية مع إيران وتعتبرها جزءًا من مبادرة "الحزام والطريق"، ولا شك في أن وُجُود هذه القِوَى الدولية قد يُصعِّبُ على الولايات المتحدة احتواء المِلَفِّ النووي الإيراني بشكل مُنفرِد. وربما قد تَجِدُ إدارة ترامب نفسها مُضْطَرَّة للتعامل مع هذه القوى كجزء من الإستراتيجية الأمريكية تجاه طِهران، كما أن أي محاولة لفرض مزيد من العزلة على إيران اقتصاديًّا أو سياسيًّا، قد تُقَابَل بمقاومة من روسيا والصين، حيث إنهما قد يَرَيَان في العقوبات الأمريكية على طهران تهديدًا لمصالحهما.

مستقبل المفاوضات النووية الإيرانية مع القوى الغربية:

فالمِلَفُّ النووي الإيراني مُعَقَّد، وازداد تعقيدًا مع الصراع الاقتصادي والتجاري بين الولايات المتحدة والصين، والحرب الروسية الأوكرانية وتدهور العلاقات الغربية الروسية؛ حيث باتت تعمل طِهران على الاستفادة من المُتَغَيِّرات العالمية الجديدة، والتقارب مع قِوَى الشرق عبر الانضمام لـتَكَتُّلَات شرقية صاعدة، مثل مجموعة البريكس الاقتصادية ومنظمة شنغهاي للتعاون؛ والانخراط في مشروعات روسية وصينية لـرَبْط مصالح الدول الثلاث ببعضها البعض.

وبالتالي: الالتفاف على العقوبات الغربية. لكن التقارب مع الشرق لا يُعَدُّ كافيًا في ظل زَخَم الاقتصاد العالمي والعولمة المُتَزايِدة، وانهيار النظام المالي في إيران وتفاقم مُعَدَّلات البطالة وزيادة نِسَب الفقر في البلاد، إلى جانب تركيز النظام الإيراني على توجيه موارد إيران لدعم الميليشيات والجماعات الإرهابية المسلحة في الدول العربية.

فيبدو أن خِيار النظام الإيراني في التفاوض مع الغرب، لا مَفَرَّ منه، والسيناريو الأرجح لأي مفاوضات مع القِوَى الغربية؛ هو استمرار سياسة "الضغوط القصوى" مع مَنْح بعض المُرونة الدبلوماسية لفتح قنوات اتصال مع إيران. وقد تختار إدارة ترامب إستراتيجية تعتمد على العقوبات والضغوط الاقتصادية، بالتزامن مع تقديم بعض الحوافز الاقتصادية، مقابل تنازلات من الجانب الإيراني؛ مُستغِلَّة بذلك انهيار الاقتصاد وضغوطات الداخل الإيراني.

وفي حال نجاح ذلك السيناريو فقد تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق مُؤَقَّت، يشمل تجميد بعض الأنشطة النووية الإيرانية مقابل تخفيف جزئي للعقوبات عليها. وإذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية وتصاعدت التوترات بين واشنطن وطهران، فقد تعود إدارة ترامب إلى نَهْج أكثر تصعيدًا، بما في ذلك فَرْض عقوبات أشَدَّ أو حتى دراسة خيارات عسكرية محدودة، لكن هذا الخِيار سيظل مُعَقَّدًا، ويحتاج إلى تنسيق أمريكي واسع مع القِوَى العربية الإقليمية، بسبب المخاطر الإقليمية الكبيرة التي قد تنتج عن أي مواجهة عسكرية كبرى في المنطقة. كما وأن المؤسسات الأمريكية العميقة تَرَى في الدَّوْر الإيراني الإقليمي في جانب منه، تحقيقًا للمصالح الأمريكية؛ حيث يُسْهِمُ دَوْر طِهران في الشرق الأوسط، في الوجود العسكري لواشنطن في المنطقة من جهة، وتزايد صفقات التسلح للدول الإقليمية من جهة أخرى.

الخلاصة:

فقدت إيران العديد من أوراق القِوَى خلال العامين الأخيرين. فمن جهة؛ لم يُعَدِّ المجتمع الإيراني الداخل قادرًا على التعامل مع الأوضاع المعيشية المُتَأَزِّمَة حاليًّا، ومن جهة أخرى؛ تساقطت أذرع ووكلاء طِهران في الإقليم واحدًا تلو الآخر.

وفي ظل تلك التطورات؛ ستكون المفاوضات النووية مع إيران في ظل إدارة ترامب الجديدة، عُرضة لسياسة تصادمية تُعيد إنتاج ديناميكيات "الضغط الأقصى"، مع خَطَر التصعيد العسكري.

فالتوصل إلى اتفاق جديد يبدو غير مُرَجَّح في ظل الثقة المفقودة والرهانات الإقليمية المُتَشابِكَة، وقد تكون النتيجة النهائية مزيدًا من عدم الاستقرار، مع تصاعد التهديدات النووية والأمنية في المنطقة والضغوطات الأمريكية غير المسبوقة على إيران.

المصادر:

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية.

الجزيرة.

سكاي نيوز عربية.

بوابة الشروق.

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.

الشرق الأوسط.

الكلمات المفتاحية

سياسات الضغوط القصوىالملف النووي الإيرانيالاتفاق النووي 2015مالنفوذ الإيراني في الشرق الأوسطمستقبل المفاوضات النووية